عثمان ميرغني يكتب : النظام الإداري المقترح
متابعة:الرؤية نيوز
أمس كتبت هنا عن النظام الإداري الجديد المطلوب للسودان بعد الحرب؛ ليحقق فصل السياسي عن الإداري.. فصل الحكم عن الإدارة. وقلت إن النظام الحالي يتكون من حكومة اتحادية على رأس الهرم، وحكومات ولائية، ثم محليات، ثم لجان أحياء. والتجربة دلّت على أنه نسق ذو طابع وروح سياسية. وقد رأينا كحسنًا كيف تحول التنافس في مستويات هذه السلطات إلى صراعات سياسية وجهوية وقبلية؛ لأن المناصب توفر الجمع بين السلطة والثروة.
وكتبت أمس أدعو إلى اجتراح نظام إداري موازٍ لكنه غير متقاطع مع هذا النسق ذي الطابع السياسي.
والمقترح الذي سبق أن ضمنته في كتابي «السودان: الجمهورية الثانية» يقوم على مبدأ فعال مرتبط بالإنسان ومطلوباته الحياتية والعملية وقطاع الأعمال عمومًا، مهما صغر أو كبر.
ولتسهيل الفكرة، سأرسم هذه اللوحة المبسطة المعبّرة:
المواطن «س» يعيش في القرية «ص»، ويمثل الحد الأدنى من الخدمات والمطلوبات الحياتية في البلاد، من حيث الحقوق والواجبات.
المواطن «س» مزارع، يعمل في الحقل، ويستهلك جزءًا من إنتاجه في بيته لصالح أسرته، ويبيع الفائض ليحقق كسبًا ماليًا يساعده في تدبير مطلوبات الحياة والخدمات.
المواطن «س» مرتبط أفقيًا بالنظام المجتمعي للقرية، ورأسيًا بمطلوبات هرمية تتحكم في عمله ونشاطه والخدمات الحتمية الحكومية أو الرسمية التي يحتاجها، مثل التعليم والصحة والأمن وغيرها.
في مجال العمل: المطلوبات: مدخلات العمل – التمويل – النقل – الطاقة – التسويق – النظام المصرفي.
في مجال الخدمات: المطلوبات: الطاقة – التعليم – الصحة – الأمن – أدوات إنفاذ القانون (شرطة – نيابة – قضاء) – طرق.
في مجال الحياة: سكن – أسواق – أماكن ترفيه – بيئة.
ولكل من هذه المطلوبات درجات متفاوتة. فمثلاً:
التعليم يبدأ من أدنى مستوى الحضانة إلى أعلى مستوى الجامعة.
والصحة من مركز صحي إلى مستشفى عام إلى مستشفى متخصص.
والطاقة من إنارة البيت إلى الشارع إلى الحي أو القرية إلى إدارة المصانع والمستشفيات وغيرها.
تختلف المقاييس لكل هذه المطلوبات والخدمات، لكنها تظل مشتركة في كونها تمثل الأهمية ذاتها للمواطن.
من هنا تأتي فكرة النظام: كيف نوفر أسرع وأضمن وأآمن منظومة للمواطن ليحصل على هذه المطلوبات؟ بمقاييس متدرجة حسب الحاجة، كما أسلفت بأمثلة في التعليم والصحة وغيرها.
الإجابة المباشرة هي: تصميم دوائر متراكبة مركزها المواطن. من مركز حركته وسكنه يُوفَّر المطلوبات تدريجيًا حسب اتساع قطر الدائرة.
بناء النظام الإداري هنا يوفر للمواطن في الدائرة الأقرب كل المطلوبات بمستواها الأدنى، ثم تتوسع الدوائر تدريجيًا لاستيعاب مطلوبات أكبر.
الفكرة الأمثل: أن نبني النظام الإداري على نسق (المدينة المركزية – المدينة الكبرى – المدينة – القرى) لتوفير الخدمات والمطلوبات.
الملاحظ هنا أن النسق السياسي (حكومة اتحادية – ولائية – محلية – حي) لن يتقاطع مع النظام الإداري إلا في السلطات المركزية مثل الأمن والنيابة والقضاء.
ونواصل..
التيار
