أحمد يوسف التاي يكتب: يقتلها الظمأ.. حرام عليكم
1)
جيران السودان عرباً وأفارقة يتساءلون في حَيْرة، بل العالم كله يتساءل مندهشاً… بلد بهذه الموارد الطبيعية الضخمة لماذا يتكئ على يدٍ سُفلى؟!!.. لماذا تبدو هذه البلاد الأفريقية العظيمة كالعير في الفلوات يقتلها الظمأ والماءُ على ظهرها محمول؟ (إبل الرحيل شايلة السُقا وعطشانة).. لماذا يتسول السودانيون الغذاء وعندهم أكثر من 200 مليون فدان صالحة للزراعة؟ لماذا يعطشون ويشق أرضهم أعظم نهر على وجه الدنيا وتزخر بلادهم بمياه جوفية تُعد الأعذب والأغزر على مستوى العالم؟ لماذا تبدو خزينة دولتهم خاوية من العملة المحلية والعملات الأجنية بينما بلادهم تتصدر قائمة الدول المنتجة للذهب؟ وأين ذهبت أموال مبيعات النفط في الفترة من 1998 وحتى العام 2011، ولم يظهر لها أثر؟.. ولماذا يعاني هذا البلد الأفريقي ذو الموارد الضخمة من الغلاء المجنون في أسعار السلع والمواد الغذائية واللحوم والألبان والخضروات والفواكه المنتجة محلياً كما لو أنها سلع نادرة تُستجلب بالعملة الصعبة؟… ولماذا تُباع الكثير من السلع المستوردة الأكثر جودة من المنتج المحلي بأسعار أقل من المنتج محلياً..!!!!!؟
(2)
والإجابة على كل تلك الأسئلة المحيرة يمكن أن تُختزل في ثلاثة أسباب فقط هي: (غياب الإرادة) ، و(سوء الإدارة)، و(تطلُع العسكر للسلطة وشؤون الحكم) وهي أمور ليست من وظائفهم… والأسباب الثلاثة مرتبطة ببعضها ومؤثرة فيما بينها كتأثير العضو بالجسم في سائر الجسد…
(3)
أما غياب الإرادة ، ونقصد به الإرادة السياسية الحكيمة التي تزن الأمور بميزان الذهب ، وتراعي التوازن في كل شيء، وتنظر إلى المستقبل بعين المستبصر المتأمل وتحدِّق في الأفق البعيد ببصيرة متقدة ….غابت هذه ، وحلت محلها النظرة الانتهازية التي لا تتجاوز حدود المصلحة الشخصية، والمنفعة الذاتية …غابت الإرادة السياسية وحلّ محلها العجز عن الفعل الإيجابي والإصلاح وحماية وصون المصلحة العامة…غابت وحلّ محلها الصراع والنفاق السياسي والفهلوة والهرجلة والتآمر وضرب الخصوم تحت الحزام…غابت الإرادة السياسية عن حراسة بوابة الدولة فدخلت المحاصصات والترضيات السياسية والموازنات القبلية والجهوية، وخرجت المعايير المهنية الأمينة لتولي المناصب في الدولة لإدارة شؤون البلاد…
(4)
أما سوء الإدارة ، نقصد به الإدارة الاقتصادية الفاشلة التي لا تعرف سبيلاً للتخطيط العلمي السليم، وسوء الإدارة الاقتصادية هو نتاج طبيعي لغياب الإرادة السياسية التي تُغيِّب الكفاءات وأهل الخبرة والمؤهِلات ، وتصعِّد الفاشلين والفاسدين وأصحاب الخبرات المتواضعة جداً ، وتترك لهم الحبل على الغارب دون مساءلة أو محاسبة أو حتى رقابة… تصعيد الفاشلين من الذين يتولون شؤون الحكم والسياسة وفقاً للمحاصصات والموازنات القبلية والجهوية والترضيات السياسية..
(5)
ومثلما أن غياب الإرادة السياسية في بلادنا أنتج سوء الإدارة الاقتصادية فإنه بالضرورة فتح شهية الطامعين والمغامرين من العسكر في الحكم والسياسة على مدى أكثر من ستة عقود من الزمان، فمتى ما تطلَّع العسكر إلى الحكم في أي بلاد يعني أن هذه البلاد تعاني من هشاشة الحركة السياسية وتصدعاتها وكثرة ثغراتها التي تغري العسكر باستلام السلطة بحجة المحافظة على الأمن القومي بعد إثارة غريزة المخاوف الأمنية نظرياً وعملياً، أو بحجة تصحيح مسار الحركة السياسية…
(6)
الأسباب الثلاثة هي أساس التخلف والعجز عن اللحاق بركب الدول المتقدمة والنهضة الاقتصادية والاستقرار الاقتصادي، فلنضرب مثلاً بانقلاب 25 اكتوبر باعتباره آخر انقلاب في السودان حتى لحظة كتابة هذا المقال، أرأيتم كيف نسف المكاسب التي تحققت خلال العامين الماضيين وكاد أن يعيدنا إلى مربع العزلة الدولية وتراكم الديون الخارجية، والحظر الاقتصادي، وقائمة الإرهاب، وهو خطر ما زال محدقاً ولم نخرج منه بعد …. أعود وأقول إن غياب الإرادة السياسية هو منبت السوء والداء المزمن وما عداه عرض يمكن أن يزول بزوال العلة السياسية التي سبقت الإشارة إليها ….. اللهم هذا قسمي فيما املك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.