الرؤية نيوز

جريدة لندنية :الشارع السوداني مصرّ على ثورة تنهي الشراكة بين المدنيين والعسكريين

0

الخرطوم – عبرت مظاهرات الأحد، التي انتشرت في مدن سودانية ووصلت إلى محيط القصر الرئاسي تزامنا مع الذكرى الثالثة لانطلاق الاحتجاجات التي أطاحت بنظام عمر حسن البشير، عن إصرار قوى مدنية على إنهاء الشراكة مع العسكريين.

وتحدثت أوساط سياسية عن إمكانية اندلاع ما يمكن تسميته بـ”موجة ثورة جديدة” لفرض واقع جديد، مع توالي الاحتجاجات منذ القرارات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، ورأت إجراءات التصحيح التي اتخذها البرهان بالتفاهم مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وأنتجت إعلانا سياسيا غير كافية لتهدئة غضب الشارع.

وخرج عشرات الآلاف من السودانيين في مسيرات باتجاه القصر الرئاسي في الخرطوم استجابة لدعوات أطلقتها تنسيقيات لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين، ورفعت شعارات “لا حوار، لا شراكة، لا تفاوض”، وتمكنت من تخطي بعض الحواجز والجسور والطرق الرئيسية المؤدية إلى وسط العاصمة.

وأغلقت السلطات الأمنية جسورا تربط وسط الخرطوم بضاحيتي أم درمان وبحري غرب وشمال العاصمة بعد أن أعلنت لجان المقاومة أن المواكب ستكون مركزية بحيث يتجه جميع المحتجين إلى القصر الرئاسي، في دلالة على أنه هدف المحتجين.

البشري الصائم: الشارع السوداني فرض ثورته منذ أكتوبر الماضي
وجاءت مظاهرات الأحد في وقت تسيطر فيه حالة من الجمود الداخلي منذ التوقيع على الإعلان السياسي بين البرهان وحمدوك في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي، وباتت قوى فاعلة في المشهد أكثر إدراكا بأنه ليس من المقبول استمرار الوضع الراهن الذي يمكن أن يقود إلى أعمال عنف وربما فوضى.

ويتفق العديد من المتابعين أن سيناريو العنف يشكل هاجسا حاليا بعد أن وضعت القوى الداعية للمظاهرات “طرد الانقلابيين من الخرطوم” عنوانا للاحتجاجات، وهو ما يعدّ مؤشرا على إمكانية الانزلاق إلى الفوضى، مع عدم قدرة الأطراف القابعة على رأس السلطة على إرضاء رغبات الشارع، الذي أظهر تماسكا لم يكن في حسبان الجيش أو الأحزاب المدنية التي تراجعت أدوارها لصالح تجمع المهنيين ولجان المقاومة.

وترجمت كلمات حمدوك التي وجهها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أخيرا تلك المخاوف، إذ أكد أن “البلاد تواجه تراجعا كبيرا في مسيرةِ ثورتنا، يهدد أمن البلاد ووحدتها واستقرارها، ويُنذرُ ببداية الانزلاق نحو هاوية لا تُبقي لنا وطنا ولا ثورة، ورغم ذلك لا زلتُ أعتقدُ جازما بأن الثورة يُمكن أن تمضي بحزم وعزم إلى غاياتها بالسير في طريق الحوار والتوافق الوطني”.

وقال القيادي بتحالف الحرية والتغيير البشري الصائم، إن الشارع فرض ثورته منذ انقلاب أكتوبر الماضي “ويجد في ذكرى اندلاع ثورته ضد نظام البشير فرصة مواتية لإحداث تطور نوعي يمكن أن يفرز واقعا سياسيا جديدا، وليس مستبعدا أن تطيح الثورة بنظام الحكم القائم وتشكيل سلطة مدنية إلى حين إجراء الانتخابات المقبلة”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مطالب ثورة ديسمبر لم تتحقق على الأرض، فلا توجد حكومة تستطيع إنجاز عمليات الإصلاح، وقضايا السلام والنزاعات والإصلاح الأمني والعسكري لم تشهد تطورات تذكر، والأوضاع الاقتصادية تتدهور مع توقف الدعم الخارجي الذي كان يمكن أن يُحدث تقدما إذا جرى الالتزام بالوثيقة الدستورية.

وبدا واضحا أن التحالف الحكومي السابق الذي حاول أن يحافظ على مكاسبه على الشراكة مع العسكريين أقدم على مراجعة العديد من مواقفه السابقة، بعد أن سبقه الشارع ولم يعد قادرا على التأثير فيه، كما كان الوضع في السابق، ما انعكس على تصريحات خرجت مؤخرا من قيادات فاعلة داخله بدأت تنحاز إلى مطالب الشارع لجهة فض الشراكة مع المكون العسكري.

عبدالواحد إبراهيم: الرأي العام يدعم إزاحة الشراكة بين المدنيين والعسكريين
وشددت قوى الحرية والتغيير في بيان لها على أن “الانقلاب عصف بنموذج الشراكة بين المدنيين والعسكر في الحُكم، بطريقة تجعل تكراره غير مجد، في حين أنه كانت هناك فرصة تاريخية لتصحيح العلاقة بين الطرفين”، في محاولة تريد منها العودة إلى صدارة المشهد الاحتجاجي، مثلما كان الوضع قبل ثلاث سنوات.

وانطلقت ملامح الثورة في التاسع عشر من ديسمبر 2018 ضد نظام البشير من مدينة عطبرة شمالي السودان، قبل أن تتمدد سريعا إلى أماكن أخرى وتعزل البشير بعد أن انحاز لها الجيش في الحادي عشر من أبريل 2019.

ويقول متابعون إن القوى المدنية تعيد التموضع في صفوف القوى الثورية مجددا، والاحتجاجات التي اندلعت مرات عديدة منذ أكتوبر الماضي كانت شاهدة على عودتها للجماهير، ما ظهر في الشكل التنظيمي للمسيرات، لكن دون أن ينعكس ذلك على إعادة توحد التحالف الحكومي، ولدى الجميع رغبة في أن يكون التنسيق عبر الشارع، في محاولة لتلافي أخطاء الفترة الماضية.

ويؤكد هؤلاء أن الخسائر التي تعرضت لها قوى الحرية والتغيير على المستوى السياسي والشعبي تفرض عليها المزيد من الانخراط في صفوف الشارع، لأنها لم تعد الطرف الأكثر حضورا على رأس السلطة، وحلت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام في الصدارة، بينما بقيت هياكلها على الأرض تتعرض لأزمات أسهمت في تفككها وتحاول لملمة أوراقها بعد أن أصابها التشظي الداخلي.

وهناك قناعات مفادها أن غالبية القوى السياسية لم تلتزم بما جرى الاتفاق عليه منذ الإطاحة بنظام البشير، وفشلت في تحقيق أهداف ثورة ديسمبر، خاصة أن الدعم السياسي الدولي، وفي مقدمته الأميركي، بدأ يرجح كفة الحراك في الشارع بعدما ظل أكثر قربا من مواقف الجيش وتحالف قوى الحرية والتغيير.

وأشار المحلل السياسي عبدالواحد إبراهيم، إلى أن “الشارع السوداني مستمر في ثورته، وأن المواطنين انتظروا على أمل أن تحقق الشراكة بين العسكريين والمدنيين أهدافهم الرئيسية التي تمثلت في الحرية والسلام والعدالة، وهي شعارات لم تتحقق وليس من المتوقع أن تتحقق في المستقبل، طالما استمرت الشراكة على صورتها غير المتوازنة وواصل الجيش مراوغاته السياسية”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن من يطلقون على الحراك الراهن بأنه “ثورة تصحيحية” هم من خارج قوى الثورة الأساسية، وأن الواقع يشير إلى أن هناك رأيا عاما يدعم إزاحة الشراكة بين المدنيين والعسكريين، وإبعاد السلطة التنفيذية الحالية، بشقيها العسكري والمدني، وإقامة نظام حكم ديمقراطي عبر انتخابات عامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!