البرهان وحميدتي.. هل سيلتقيان في أديس أبابا؟
إذا قرر قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذهاب إلى التفاوض مع قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) وإيقاف النزاع المسلح في السودان؛ فإن ذلك يقتضي “تنازلات مؤلمة” قد يقدمها الطرفان خلال المحادثات.
قال مصدر مدني عمل في مجلس السيادة السوداني قبل الانقلاب العسكري لـ”الترا سودان” إن البرهان محاط بأشخاص يريدون “سحق الدعم السريع”
في اليوم الثالث للقتال العنيف الذي اندلع في منتصف نيسان/أبريل الماضي، صرح البرهان في مقابلة إعلامية تلفزيونية بأن الحرب التي تدور في العاصمة الخرطوم “عبثية” وليس فيها خاسر أو منتصر.
تعليق البرهان في ذلك الوقت جاء مفاجئًا للأوساط الدولية والمحلية؛ فالمعارك كانت في أشدها وقوات الدعم السريع كانت على مقربة من القيادة العامة، قبل أن تخسر هذه المواقع وتنتقل للقتال من داخل أحياء تكتظ بالمدنيين.
النزاع المسلح في السودان الدائر في سبع ولايات، بما فيها العاصمة الخرطوم التي تشهد أكثر معاركها ضراوة، أدى إلى نزوح مليوني شخص داخليًا ولجوء نصف مليون شخص إلى دول الجوار والإقليم، كما أودى بحياة نحو ثلاثة آلاف مدني، فيما بلغ عدد المصابين مثلهم تمامًا، إلى جانب اختفاء نحو (400) شخص من المدنيين قسريًا.
تعود شخصية البرهان الذي يواجه “معارضة شرسة” من بعض العسكريين إزاء نوايا التفاوض مع الجنرال دقلو – تعود إلى الصفوف الخلفية من القيادات العسكرية التي كانت تعمل “خلف البشير”، لكن من المؤسسة العسكرية، فالرجل يمتهن العسكرية، ولم يكن اسمه مطروحًا عندما أطاح السودانيون بالرئيس عمر البشير في نيسان/أبريل 2019. لمع اسمه بعد أن رفض المتظاهرون قرب القيادة العامة الجنرال عوض بن عوف ونائبه كمال عبدالمعروف لأنهما مقربان من البشير.
قبل صعود اسم البرهان إلى المجلس العسكري في ذلك الوقت، شوهد مع قيادات مدنية كانت تقود الحراك السلمي، أبرزهم رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ الذي كتب مقالًا قبيل انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 بساعات، مذكرًا البرهان بالوعود التي بذلها لحماية الفترة الانتقالية، وبدا المقال كمن يتحدث عن “اتفاق جنتلمان” بين الرجلين.
البرهان وإبراهيم الشيخوالبرهان وإبراهيم الشيخ في ساحة اعتصام القيادة العامة في أبريل 2019
ومع ذلك، لم تُعرف للبرهان خلال الفترة الانتقالية التي تولى خلالها المدنيون السلطة مناصفةً مع المكون العسكري، ومن بينهم الجنرال دقلو – لم تُعرف له مواقف حاسمة في الخلافات بين المدنيين والعسكريين، كما إنه –وحسب مصادر مدنية تولت عضوية مجلس السيادة (أعلى هيئة انتقالية) ترأسها البرهان– كان يميل إلى “تأجيل حسم الخلافات بشأن القوانين التي يتمسك المدنيون بإجازتها”.
قبيل شهر من انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، واجه المدنيون بقيادة عبدالله حمدوك رئيس الوزراء المدني صعوبةً في إنهاء احتجاجات شعبية أغلقت موانئ بورتسودان، هذه الخطوة التي دقت الإسفين بين المدنيين والعسكريين، حتى تنفيذ الانقلاب وذهاب أغلب أعضاء السلطة المدنيين إلى السجون.
شخصية قائد الجيش غير متشددة وقد تكون براغماتية، لذلك عندما بدأ الحديث عن التفاوض مع الجنرال دقلو وترتيب لقاء بينهما بوساطة منظمة “الإيقاد”، لم يبدِ اعتراضات، بل اشترط إبعاد رئيس كينيا وليم روتو عن رئاسة اللجنة الرباعية المعنية بترتيب الوساطة، ولم يتضمن بيان السودان الصادر عن وزارة الخارجية أي عبارات تشير إلى رفض اللقاء جملة وتفصيلًا.
وقال مصدر مدني عمل في مجلس السيادة الانتقالي قبل الانقلاب العسكري في حديث لـ”الترا سودان” إن البرهان محاط بأشخاص يريدون “سحق الدعم السريع” ويرفضون التفاوض، ولكن قائد الجيش –وفقًا للمصدر– قد لا يكون متفقًا معهم، ولذلك فهو مثل شخص يريد اتخاذ خطوات فعالة ولم يرفض لقاء الجنرال دلقو في أديس أبابا خلال الشهر المقبل بحسب ترتيبات “الإيقاد”.
ويوضح هذا المصدر أن البرهان يجد مساندة من بعض العسكريين الكبار في هذه الخطوة بـ”عقلية ترويض الأسود” – أي التفاوض وإضعاف الخصم أو العدو بالتدريج.
البرهان يتفقد الجنودالبرهان خلال تفقده لجنوده في مواقع بالقرب من القيادة العامة خلال المعارك ضد الدعم السريع (Getty)
وكان الرئيس الكيني وليام روتو قد صرح خلال الساعات الماضية بأن “اللقاء بين الجنرالين السودانيين سيحدث وتتوقف الحرب في السودان”، الحرب التي تدمر البنية التحتية والمستشفيات وتقتل المدنيين – حد قوله.
يرفض الجيش وضع وليام روتو على رئاسة لجنة الوساطة التابعة للهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد)، ويقول إن “كينيا ليست وسيطًا محايدًا” حسب البيانات الصادرة عن الجانب السوداني، ويعمق هذا الرفض تصريحات وليام روتو الذي وضع القائدين السودانيين على مسافة واحدة.
وفي الوقت نفسه، تجد وساطة “الإيقاد” التي تحقق تقدمًا –بحسب محللين– دعمًا من الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما بعد زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي مولي في إلى أديس أبابا بعد وصولها إلى السعودية في أيار/مايو الماضي، فيما تتحدث مصادر دبلوماسية عن تطابق خارطة الطريق التي أصدرتها “الإيقاد” مع بنود مبادرة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأفريقي، رغم اعتراض السودان على (12) بندًا في خارطة “الإيقاد”.
ويقول الخبير الدبلوماسي عمر عبدالعزيز في حديث لـ”الترا سودان” إن الجيش لم يرفض مبادرة “الإيقاد” إنما لديه “ملاحظات وتحفظات على بعض البنود”، مضيفًا: “هذا متوقع، ويمكن تجاوز هذه الاعتراضات، لكن قد لا تجد مطالب الخارجية السودانية بإزاحة كينيا عن رئاسة اللجنة الرباعية المعنية بالوساطة واستبداله برئيس جنوب السودان – قد لا تجد هذه المطالب استجابة؛ لأن الجنرال دقلو قد يعترض على الخطوة بدوره”.