كمال الجزولي يترجل عن صهوة يراعه..ورحل الذي كان يطرز المدائن بالحكايات الجميلة..
متابعة:الرؤية نيوز
بقلم : محمد احمد الدويخ
بركة ساكن يصفه بالأب الروحي.. وبشرى الفاضل يكشف عن الجزولي الشاعر والقانوني والروائي عبر (قيامة الذئبق) التي لم تُطبع بعد ..
كان آخر لقاءاتي بالشاعر المجيد والقانوني الضليع كمال الجزولي في الرابع من اكتوبر 2022.م لدى فعالية توزيع جائزة محجوب محمد صالح الصحفية بالقاعة الصغرى بقاعة الصداقة حيث كان يزين الصفوف الامامية بجانب عميد الصحافة السودانية الاستاذ محجوب محمد صالح والشاعر ازهري محمد علي والتشكيلي العالمي راشد دياب والوزير الصحفي فيصل محمد صالح بجانب الصحفي المصري عمرو خفاجي وآخرين وفي الخاطر شواهد باذخة من اشعار كمال الجزولي الخالدة تستلهم رائعته (أم درمان تأتي في قطار الثامنة) :
ومضيتُ يعلكني الرصيف..
كيف انتظارك يا أسى القلب اللهيف..
كيف انتظارك ..كنت أنت ولا تزال ..متوهجاً في خاطري رجع الصدى..يمتد تشمخ لي ربوع ام در جبال..وتقوم جسراً من جنات شمبات حبال ..متوحداً تهمي عيونك في حزا الخرطوم قبال ..وأنا أنا فوق المحطات العتيقة ..كنت كنت ولا أزال..
بالامس الأحد 5 / 11 / 2023.م توفي كمال الجزولي (76) عاماً بالقاهرة بعد حياة حافلة بالعطاء الكتابي في شتى المجالات الابداعية في الشعر والبحوث والدراسات والسوابق القضائية بالقضاء الواقف كونه احد ابرز القانونيين السودانيين وعضو اتحاد المحاميين السودانيين والمرصد السوداني لحقوق الانسان وعضو شرف منظمة القلم العالمية للدفاع عن الكتاب المضهدين .. وقواف تنهض من ثباتها لتؤكد الرؤيا وهي تردد. اناشيد الجزولي :
أجيد القول الليلةَ على طول السودان..وكل بُيوت الطين ..فلنشعل نار الدوبيت إذن ..ونوقد جمر النم..ولنفرد أجنحة التم تم ..أُقسم أني ما غنيتُ لسطان ..ما شلت العيب ولا مارست العهر على رئة الطمبور ..لكن الساعة يا بابكر النور ..أجعل من أضلاعي ربابة.
حروف مقاصل ..وكنز الساعات الاربع مع فاطمة أحمد ابراهيم :
يوم الاثنين 29 / 5 / 2006.م اجريتُ مقابلة صحفية خالدة مع الرائدة فاطمة احمد ابراهيم أول برلمانية بالوطن العربي وافريقيا استمرت المقابلة قرابة الاربع ساعات ..سكبت خلالها المناضلة فاطمة اخت صلاح احمد ابراهيم سكبت خلالها دموعاً على مُر الحكي وتيتم ابنها أحمد لو وزعت على مآقي جميع الأيامى بام درمان لامتلأت بالدموع ..ولكن كان ختام المقابلة كنز ادبي نادرة هو ان اهدتني الرائدة فاطمة احمد ابراهيم ديوان (حروف ومقاصل) الذي شارك فيه شعراء اليسار بكل العالم في رثاء صادقا في حق قادة اليسار السوداني الذي اغتالهم العسكر لم يستطع خف الضوء الثاقب من عقولهم نحو العالم ..حروف ومقاصل وثيقة ادبية نادرة صاغ كلماتها (21) شاعرا يمثلون أكثر من (12) قطراً عربياً وغربياً بينهم شعراء الاتحاد السوفيتي وامريكا اللاتينية .
من بين تلك الكوكبة يلمع اسم الشاعر كمال الجزولي في اكثر من قصيدة منها :
طبلان وإحدى وعشرون طلقة ل(19) يوليو ..وقصيدة الغابة امراة يأتيها الطلق ..ونقوش مستعجلة على هوامش منشور سري والتي يقول فيها كمال الجزولي :
أبحث عن وجهك في الموسوعة .. تحت الحرف (السين)..
يا وطني المصلوب على خارطة العالم..منذ العام السادس والخمسين..مرسوم أنت هناك ..بالقطن وبالصمغ وبالثروات الحيوانية ..وبنهر النيل وبتعداد السكان ..وبكل التفصيلات الديمغرافية ..وبنوع التربة والاشجار ..اقذف بالموسوعة للنار ..الاسم الثورة ..غضب الطبقات المسحوقة والاعصار ..القادم ركضاً في الصفحات الاولى ..الصاهل مثل الفرس الجامح في نشرات الأخبار ..
الطالع ناراً في بدني ..هذا وطني..
هل مات كمال الجزولي كمداً
على طريقة خليل حاوي :
عندما اجتاح الجيش الاسرائيلي لبنان في حزيران السادس من يونيو 1982.م سمع المراقبون صوت بندقية الصيد وهي تنهي حياة شاعر الشعب خليل حاوي عن (62) عاماً من اليأس والصمت على العار العربي على حد تعبيره حيث امتزجت أشعار خليل حاوي بغضبه الوطني والقومي عبر ديوانه (الناي والريح) :
طال صمتي ..
من تُرى يسمع صوتاً صارخاً في صمته..يسمع صوتي لامت غير شهيد ..مفصحاً عن غصة الافصاح في قطع الوريد ..
عندما اندلعت الحرب اللعينة بالخرطوم هجر الشاعر كمال الجزولي وطنه السودان ميمما وجهه قاهرة المعز برفقة زوجته الدكتورة فائزة حسن عبدالله الاستاذة الجامعية وابنه طبيب الاسنان (أُبي) وابنته المهندسة المعمارية (أروى) ..غير ان الذاكرة لم تسقط التحدي الذي واجه به كمال الجزولي الشاعر من يحاولون خنق الحياة بام درمان العاصمة الوطنية كما ابان الشاعر بشرى الفاضل وهو يرثي الجزولي الشاعر تذكر بشرى قصيدة (ام درمان ليست تُغتَصب) ..ام درمان ليست مومساً رهن الطلب..أم درمان معجزة التأريخ النبيلة والصمود ..ولهذا نحن شعبي العنيد ..نولد كل يوم في ملاحم رفضها العاتي ..ونطلع في أناشيد الغضب..فهل خسر كمال الجزولي رهان حبيته ام درمان وهي تغتصب ومات على طريقة خليل حاوي كمداً وحسرة ..!
رفقاء الجزولي يعددون مآثره..
والحكواتي لم تسقط من ذاكرته النهود وكردفان :
يقول الكاتب والروائي الكبير عبدالعزيز بركة ساكن عن الراحل كمال الجزولي : ماذا أكتب عن استاذي وصديقي وأبي الروحي كمال الجزولي ..كمال الجزولي هو الشخص الذي عندما هربت بحياتي ثم اخترت الهجرة قال لي : بركة خلي الاولاد معاي هنا في البيت وما معروف البحصل شنو ..!
ويواصل بركة ساكن : لا ادري كم هي الحكايات الجميلة الانسانية مع هذا البني آدم ..؟
اما الشاعر المجيد فضيلي جماع فقد كتب من مقر اقامته بعاصمة الضباب لندن يقول : أخلفتْ موعدها أم درمان هذه المرة يا كمال الجزولي ويضيف فضيلي : أشهد أني تعلمتُ من كمال الجزولي الكثير أن الكاتب الفنان الحق هو من يقف نصيراً للبسطاء والمعدمين وجعل حياتهم حبراً لكتابته كان كمال الجزولي يحكي عن اشياء تطلع من قلبه كشاعر وفنان رقيق بعيد كل البعد عن براكين السياسة وصعودها وهبوطها ويختتم فضيلي مرثيته النثرية بقوله : يا صديق الكلمة الموقف سامح حبيبتك ام درمان فهي ثكلى وقد اخلفتك موعدها هذه المرة غصباً عنها وعنا جميعاً..وقف هواة الموت والدمار دونك ودونها فلم تأت في قطار الثامنة.
أما الشاعر الكبير بشرى الفاضل فقد كشف عن كمال الجزولي الاديب الشاعر والروائي لاول مرة عبر روايته (قيامة الذئبق) التي لم تر النور بعد واشار الفاضل الى ان كمال الجزولي جعل مكان الرواية كما لو انه شخصية حية تنبض بالحياة مثل شخوص الرواية نفسها..وابان بشرى الفاضل ان الراحل كمال الجزولي متعدد الاهتمامات والانشطة فهو جمْعٌ من الاناسي في واحد ..ولعل الشعر منذ كتابته الباكرة ام درمان تأتي في قطار الثامنة يأتي في مقدمة انشطته الابداعية والفكرية جميعاً بما فيها نشاطه السياسي القيادة حيث كانت الروزنامة التي يحررها كمال الجزولي بالصحف تنبض بالحياة والحكايات والمقالات التي كتبها وفاء لمن رحلوا تكشف عن حبه لهم واجلاله العميق لتلك الرموز ..الراحل كمال الجزولي تربطه علاقات متينة بالمدن والاماكن خاصة مدينة النهود ابرز مدن كردفان التاريخية العريقة والتي كتب عنها مجسدا حميمية المكان وعبق التاريخ عبر مقالة بعنوان (عودة الجدة وردة) كما تربطه علاقة متينة مع الشاعر المجيد محمد المكي ابراهيم والشاعر فضيلي جماع والشاعر عالم عباس محمد نور حتي قال الجزولي ذات مرة ساخراً : انا متهم بأن معظم أصحابي غرابة ..!
عندما اراد كمال الجزولي كتابة مجتزا عن مدينة النهود وتفاصيل حياته بها شتاء 1952.م واسرته
تفارق ام درمان لاول مرة مرتحلين غرباً مع والدهم المساعد الطبي للعمل بمستشفى النهود ..كان كمال الجزولي دون السادسة من عمره برفقة شقيقته اميرة وشقيقه حسن
عندما اراد الكتابة عن تلك الفترة كان مدخلته نثرا شاعريا مجيدا جسدته هذه المفردات الباذخة :
(في تلك اللحظة تملكني نعاسٌ ثقيل فنحيت المذكرات جانباً وسحبت الغطاء لكن وبعد أن أطفاتُ المصباح وعم الظلام الغرفة وتهيأتُ تماماً لأن انسرب في البرزخ الزلق بين اليقظة والنوم سطعت في عقلي بغتة بهرة ضوء قوية حيث دهمتني مراء من ماضٍ طفولي سحيق اقتلعتني اقتلاعاً من الفراش الى زر المصباح الى منضدة الكتابة.. )
علاقته بالشاعر محجوب شريف لم تكن حسب ونسب فحسب :
الراحل كمال الجزولي هو الشقيق الاكبر للاستاذة اميرة الجزولي ارملة شاعر الشعب الراحل محجوب شريف غير ان علاقة آل الجزولي (كمال..اميرة ..منعم ..منى ..مها ..
حسن..محمد ومجدي) لم تكن علاقة حسب ونسب فحسب فقد لمع نجم كمال الجزولي شاعراً منذ الفجر الباكر للحراك الوطني والسياسي بالسودان كما كان شقيقه الاصغر الدكتور حسن الجزولي من الكتاب الباحثين في حفريات الفكر السوداني والادب والنقد والسيرة ونضالات الشعب ابرزها كتاب ( محجوب شريف ..نار الحكاوى ونورها) لمؤلف الدكتور حسن الجزولي وكذلك مؤلفه المهم (كوبر هاجن) وتاريخ النضال الوطني من داخل سجن كوبر وشالا وغيرها خاصة مبدعي اليسار وفي مقدمتهم الشاعر محجوب شريف الذي اشار اليه كمال الجزولي باشعاره في اكثر من موقف وشاهد كما في قصيدته الخالدة (طبلان واحدى وعشرون طلقة)
الطلقة (6) :
وتمدد صوتك عبر المدن المسروقة..
اشعل شط النيل ..
ودوى في الحارات المسحوقة..السلطة للعمال..لعبيد الارض وكل جريح ..وشح دمه بيت المال..لكل عريس اوقد ناراً ثم مضى في اكتوبر ..ولكل شريف في كوبر.
صدر له عدد من المؤلفات
الشعرية منها :
القصيدة الجبلية ..صدر عام 1993.م عن اتحاد الكتاب العرب دمشق .
ام درمان تأتي في قطار الثامنة..عن مركز عبدالكريم ميرغني..عزيف الربح خلف بوابة صدئة ..صدر عام 2000.م عن دار الاشقاء للطباعة بالخرطوم ..
طبلان وإحدى وعشرون طلقة ل(19) يوليو ..صدر عام 1987.م مع ديوان حروف ومقاصل.
ترجمت اشعاره الى الانجليزية والروسية والاكرانية. له من البحوث والمؤلفات والدراسات :
الشيوعيون السودانيون والديقراطية..دار عزة عام 2003.م .
الحقيقة في دارفور ..مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان 2006.م
الآخر صدر عن دار العلوم ودار التراث بالقاهرة 2006.م
ابوذكرى نهاية العالم خلف النافذة ..صدر عن دار العلوم ودار التراث القاهرة 2006.م . انتليجنسيا نبات الظل ..صدر عن دار مدارك القاهرة 2009.م
عتود الدولة وثوابت الدين ام متحركات التدين ..صدر عن دار مدارك القاهرة 2010.م . بجانب العديد من البحوث والدراسات والمقالات في الادب والقانون والسيرة والتاريخ والفكر السياسي والاجتماعي.