باحثة في الشؤون الإفريقية: تطورات خطيرة.. هل اقترب الحسم العسكري في السودان
د. أميرة محمد عبدالحليم
تسارعت الأحداث في السودان خلال الأيام الأخيرة على نحو يحمل الكثير من المخاوف على مستقبل هذه الدولة، حيث تتصاعد المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي تمكنت خلال الأسبوعين الأخيرين من السيطرة على عدد من مقرات الجيش في درافور والعاصمة الخرطوم، في الوقت الذى دخلت الحركات المسلحة على خط الأزمة بإعلان عدد منها خروجها عن الحياد وتأييدها للجيش.
على المستوى الميداني، شهدت الأيام الأخيرة تطورات عسكرية خطيرة، مع إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر الجيش في منطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم والجسر التابع للمنطقة، واستمرار محاولات هذه القوات للسيطرة على ولايتي شرق وشمال دارفور بعد أن تمكنت من السيطرة على ولايات وسط وغرب وجنوب دارفور، حيث أعلنت هذه القوات استحواذها على المطار الرئيسي لمدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور.
حركتان تنضم للجيش
وعلى صعيد متصل أعلنت حركتان من أكبر الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام (أكتوبر 2020) وهما «حركة تحرير السودان» بقيادة مني اركو مناوي و«حركة العدل والمساواة» بقيادة جبريل ابراهيم خروجهما عن الحياد وانحيازهم للجيش في مواجهة قوات الدعم السريع.
كما انعكس استمرار الصراع لأشهر عديدة على الاستقرار في مناطق مختلفة في البلاد، فقد تعرضت بعض قرى منطقة أبيي (المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان) لهجمات من عدد من الميليشيات المسلحة خلال الأيام الأخيرة ما أسفر عن مقتل 31 مواطناً وجرح 20 آخرين.
كما ظهرت عدد من الجماعات المسلحة، حيث أكدت هذه الجماعات على أن تشكيلها جاء بدافع حماية أفراد قبيلتها وممتلكاتهم في ظل الفراغ الأمني الراهن، إلا أن هذه الجماعات سرعان ما تتحول إلى ميليشيات تهدد أمن المواطنين وربما يدفعها التسليح الذي تتمتع به إلى القيام بمغامرات للانتقام من جماعات أخرى أو غيرها من أنواع التهديد ومن هذه الجماعات ما يطلقون عليه «جيش أبو جبة» الذي ينتسب أفراده إلى قبائل الحمر في ولاية غرب كردفان، إلا أن أفراد هذا الجيش بدأوا في فرض الجبايات على المركبات التي تمر بالقرب من مناطقهم ويبررون ذلك بالسعي للحصول على موارد مالية لأنهم لا يتقاضون أجورهم.
تدهور الوضع الإنساني
وفي ظل التصعيد العسكري الذى تشهده مناطق مختلفة في البلاد خاصة مدن العاصمة الخرطوم الثلاثة، وإقليم دارفور، وإقليم كردفان، تتزايد الأزمة الإنسانية وخاصة في المناطق التي يتصاعد فيها القتال، فقد كشفت هيئة حقوقية في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 عن إحصائها أكثر من ألفي قتيل وأسير في بلدة أردمتا التابعة لولاية غرب دارفور عقب سيطرة قوات الدعم السريع على قيادة الجيش هناك، كما أكدت هذه الهيئة على مطالبة بعض عناصر الدعم السريع بفدية مالية مقابل سراح الأسرى، مع بروز مظاهر للتطهير العرقي ضد القبائل غير العربية في الولاية.
في الوقت الذى تزايدت أعداد اللاجئين الفارين من دارفور إلى شرق تشاد حيث يقدر هؤلاء بحوالي 450 ألف لاجئ، ومنذ بداية الصراع في 15 إبريل/ نيسان 2023 أحصت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 1.5 مليون شخص داخل إقليم دارفور الذى يضم ربع سكان البلاد.
ودفعت الانتهاكات والجرائم والتكلفة الإنسانية التي تعرضت لها قطاعات من الشعب السوداني من جراء هذه الحرب التي لم يكن له قرار فيها وقتل فيها ما يقرب من 50 ألف شخص (وفق بعض التقديرات) كما اضطر أكثر من 7 ملايين سوداني لترك منازلهم سواء للنزوح داخلياً أو للجوء لإحدى الدول المجاورة، ومن لم يترك منزله ظل يعاني من نقص الخدمات وخاصة الصحية والمواد الغذائية، بل وأصبح مروعاً تحت تهديد بالقتل أو الإصابة من جراء المناوشات والمواجهات بين طرفي الصراع التي لم تأخذ في الحسبان تكلفة إدارة الحرب في المناطق السكنية المكتظة، ما دفع بعض الشخصيات للتفكير في عقد عدد من الفعاليات قادتها منظمات مجتمع مدني سودانية وإفريقية ودولية وشخصيات سياسية وعامة للمطالبة بوقف الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون وخاصة من النساء.
وأخيراً، يظل المشهد السوداني يطرح المزيد من التداعيات سواء على المستوى المادي أو الإنساني في ظل استمرار الصراع وعدم قدرة الأطراف الداخلية والخارجية على إقناع طرفي الصراع بأن غالبية الصراعات في العالم وفي إفريقيا تم تسويتها عبر الحوار والوصول إلى تفاهمات واتفاقات، حيث تشير التطورات الأخيرة سواء على المستوى الميداني أو الإنساني الى أن طرفي الصراع لم يتمكنا إلا من تدمير المؤسسات والشعب السوداني. ومع وجود مؤشرات لتمكن قوات الدعم السريع من حسم الصراع لصالحها تتصاعد المخاوف والتكهنات حول مستقبل الدولة في السودان وهل ستقبل جميع أقاليم السودان والحركات المسلحة سواء المنضوية تحت اتفاق جوبا للسلام أو التي لم توقع عليه هذا فضلاً عن القوى السياسية المختلفة سيطرة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو على البلاد وخاصة بعد الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قواته وخاصة في إقليم دارفور، أم أن السودان ينتظر خيارات صعبة من بينها الحرب الأهلية وخاصة في ظل إعلان حركات مسلحة خروجها عن الحياد الذي تبنته منذ بداية الصراع، ومطالب انفصالية جديدة، هذا فضلاً عن احتمالات التدخلات العسكرية الخارجية التي لم تنتج في الكثير من الأزمات الإفريقية إلا مزيداً من الفوضى والانهيار والفشل.
فكيف سيتحمل الشعب السوداني كل هذه النتائج، ومن سيتضامن معه لاستعادة دولته وتحقيق طموحاته أم أن كرة الثلج التي تحركت منذ 15 إبريل/ نيسان 2023 في اتجاه «التدهور» لن يتمكن أحد من إعادتها مرة أخرى إلى المسار الذى يتمناه هذا الشعب.
*باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات
صحيفة الخليج