الروائي السوداني حمور زيادة: الفنون تستفز وتخيف التطرف والرجعية والدكتاتورية.. أدب الحروب يحتاج مزيدا من التأمل والابتعاد عن سخونة الحدث
الروائي السوداني حمور زيادة لـ”العرب”: الفنون تستفز وتخيف التطرف والرجعية والدكتاتورية
أدب الحروب يحتاج مزيدا من التأمل والابتعاد عن سخونة الحدث.
نحتاج إلى أدب حروب يوثق ويثير الأسئلة
فرض تزايد الصراعات على الأدباء والمشتغلين بالكتابة عموما نوعا خاصا من الاهتمام، وأصبحت النزاعات تفرز أنماطا مختلفة للتعبير عنها عندما تمس مباشرة تفكير من اقتربوا منها وسعوا إلى بلورتها في قالب أدبي معين. وهذا ما حدا بكاتب مثل السوداني حمور زيادة إلى الانخراط في ما يحدث لكن من زوايا مختلفة. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتب حول تجربته ورؤاه للأدب والصراعات والواقع وغيرها من المواضيع.
تؤثر الصراعات والحروب بشكل كبير على الأدب، ومن المتوقع أن تؤدي المأساة التي يشاهد العالم فصولها حاليا في قطاع غزة الفلسطيني إلى أشكال متباينة لتقديمها أدبيا بعد أن تقف المعارك، ويتوقف كل عمل على زاوية الرؤية التي يراها كل أديب، والتي تبدو مفعمة بالانفعالات والقراءات، قياسا على حالات أخرى سبقتها.
ويمثل الأديب والصحافي السوداني حمور زيادة واحدا من المشغولين بالنزاعات والثورات وما يمكن أن تخلفه في وجدان الكاتب الذي ينتمي إلى دولة عرفت الصراعات أكثر مما عرفت الاستقرار، وهذا ما نتبينه معه في هذا الحوار.
تأثر زيادة بالحرب الإسرائيلية على غزة، ودوّن على حسابه الشخصي في فيسبوك حول هاشتاغ “مازلت أملك المفتاح”، مستعرضًا تجربة الشتات واحتفاظ فلسطينيين على مر الأجيال بمفاتيح بيوتهم التي هُجّروا منهم، ويطابقها على واقع الكثير من السودانيين -وهو منهم- بشأن العودة إلى الوطن يومًا ما، معتبرا أن المفتاح دلالة على أمل العودة، وهو نفسه يحتفظ بمفتاح منزله في السودان، فالمفتاح بمثابة تعريف للهوية، على الرغم من أن منزله قد يكون هُدم أو احترق.
بين الفلسطيني والسوداني
يقول زيادة لـ”العرب”: “الشتات والتغريبة لمن تعاطف مع الفلسطينيين أو لم يتعاطف حقيقة واقعة، وما قمت به هو إعادة نشر لشتات مألوف ومعروف للجميع، ومستمر منذ 75 عامًا، فالشتات السوداني الآن والنزوح خارج البلدان أصابا الكثير في دول عربية، كنا نخشى أن نكون مثل السوريين أو اليمنيين الجدد، ما أصبح حقيقة، وما نخشى منه أن نصبح فلسطينيين جددا، فيصبح ارتباطنا بوطننا هو هذا المفتاح”.
◙ تجربة حمور زيادة في الاغتراب تعتبر من أقسى تجاربه الحياتية، لأنها حدثت دون تخطيط مسبق
ويضيف “ما زالت أملك المفتاح، هو تعبير فلسطيني شهير وهو رمز للمقاومة، الفلسطيني فقد الباب والحائط والبيت كله، وهذا المفتاح لن يجد بابًا يفتحه به، لكنه يعلم أنه رمز، وطالما يملك هذا المفتاح ويتوارثه جيلًا بعد جيل فهذا يعني أن قضيته لن تموت، هذه القضية التي يُطلق عليها الساسة اسم ‘حق العودة’؛ لذلك كنت أشير إلى أنه حتى لو طال بنا الزمن، وأصبحنا فلسطينيين جددا، فإننا سنكون مثلهم، مازلنا نملك المفتاح ولن نفقد الأمل في العودة ويكون لنا حق العودة”.
ويستبعد زيادة أن يكون خياره صناعة عمل روائي حول الحروب، قائلا “لا أعتقد أن الكتابة عن الحرب بشكل مباشر خياري على الأقل الآن، فنحن مازلنا نعيشها، وإذا أراد شخص تناول الحروب في هذه اللحظة فسيأخذ اللحظات الصغيرة للتركيز عليها كما فعل الروائي السوري الراحل خالد خليفة في روايته ‘الموت عمل شاق’”.
ويتابع “الكتابة عن حالة الحرب كلها أو تقديم رؤية عن كيفية وصولنا إلى ذلك يتطلبان مزيدا من التأمل والابتعاد عن سخونة الحدث حتى تُمْكن الكتابة بشكل أكثر انحيازا إلى الجمال والفن من الانحياز إلى ما يحدث في الحرب، ويمكن لكتاب آخرين أن يكون لديهم رأي آخر ويكتبوا شيئا يتجاوز مخاوفي التي تميل إلى الانتظار، وربما أنا أيضا قد أغير رأيي وأجدني قادرا على كتابة عمل بالمواصفات المذكورة”.
تبدو أحداث المنطقة العربية مغرية بالكتابة عنها، فهي زاخرة بالصراعات، بدأت بثورات الربيع العربي ووصلت إلى حروب وانقسامات، لذلك هذه الأوضاع تحتاج أدب حروب يؤرخ لهذه الفترة.
يقول حمور زيادة لـ”العرب”: “بالتأكيد نحتاج إلى أدب حروب، وأن يوثق الفن هذه اللحظات ويحللها ويعيد تقديمها من أجل إثارة الأسئلة التي ينبغي أن تثيرها الفنون، وقد لا تطرحها غير الفنون، أسئلة بين الإنسان نفسه وقناعاته فيما يحدث، وكيف، ولماذا حدث، وإلى أين سيقودنا؟ وهذا يمكن أن يقدمه أدب الحروب، لكن هنا لا أتحدث عن أدب الحروب الدعائي الذي يزعق في الناس طالبا حشدهم لموقف معين، إنما أتحدث عن رؤية فنية تتعامل مع الحرب كحالة تحتاج إلى تحليل جمالي وتفكيك أدبي لما يحدث”.
وأثار حديث زيادة حول التحليل الجمالي تساؤلا عن وجه الجمال في الحرب؟ وهو ما يشرحه بقوله “الجمال في الفن وليس في الحرب، مهما كان الموضوع الذي تكتب عنه سيئا وبشعا ومليئًا بالجثث والآلام والموت والمعاناة والمجاعات، لكن في النهاية الفن والإبداع عملية جمالية، وهذا لا يعني أنها احتفائية أو المقصد منها تقديم آلام الآخرين في شكل جذاب ولا يُراعي هذه الآلام، جماليات الفن أنه ينبش في الأوجاع والأحزان والواقع السيء ليخرج لنا أسئلته الخاصة، هذا هو جزء من جمال الفن”.
وتزخر حياة حمور زيادة بأحداث تؤهله ليكون بطلًا لعمل روائي، فقد تعرض لهجوم من إسلاميين بعد نشره قصة عن الاعتداء الجنسي على الأطفال، رآها متطرفون “خادشة للحياء العام للمجتمع”، تلا ذلك حرق منزله عام 2009.
أدب التحولات
◙ هناك أسئلة لا تطرحها إلا الفنون، أسئلة بين الإنسان نفسه وقناعاته فيما يحدث وكيف ولماذا وإلى أين سيقودنا؟
يعتقد حمور زيادة نفسه أنه “رجل بتاع (متخصص في) حكايات”، يقول “أحكي الحكايات وأكتب الروايات، فالفن عملية جمالية وإبداعية، وهذا الجمال بطبيعته يصطدم بطيور الظلام والدكتاتورية والرجعية، هذه ليست مسألة قصدية لكنها حرب الفن التقليدية، فإذا أنتجت فنونا تتكالب عليك طيور الظلام والخارجين من كهوف ما قبل التاريخ، والجثث التي ظنناها اندثرت في مقابر التقدم، ولم يحدث هذا معي فقط بل مع كتاب ومبدعين في السودان وكل أنحاء العالم”.
ويؤكد أن مشروع الفن الجمالي مستفز ومخيف للكثيرين، يمكن رؤية ذلك في نشأة تيارات داخل السودان ضد أفلام سودانية مثل “ستموت في العشرين” و”وداعًا جوليا” التي أنتجت في ظروف صعبة، ووجدت ترحيبا عالميا وداخليا من السودانيين أنفسهم، لكن ثمة تيارات تستفزها مثل هذه الفنون فتخرج لمحاربتها.
وتعتبر تجربة حمور زيادة في الاغتراب من أقسى تجاربه الحياتية، لأنها حدثت دون تخطيط مسبق، حيث وجد نفسه فجأة مجبرًا على ترك وطنه، ولا يعرف ماذا سيفعل.
عن هذه التجربة يوضح زيادة “بقدر ما كان ذلك مؤلما، لا أستطيع شكوى المنفى، فأنا مدين بكل أوجاعه وكل السوء فيه، كان رحيمًا بي إلى حد كبير ومنحني خير ما فيه وساعدني في مشروعي الأدبي، وسمح لي بإعادة تقييم الكثير من أفكاري بالانتقال إلى بيئة أخرى واختلاطي بأفكار مختلفة، ما جعلني أكثر قبولًا للتنوع”.
أقام زيادة في مصر نحو عشر سنوات (من 2009 – 2019) دون أن يتمكن من زيارة السودان خلالها، حتى اندلاع ثورة ديسمبر، وبعدها تسنت له زيارة وطنه لأول مرة، وبدأت محاولته في العودة الجزئية وإعادة التعرف على المجتمع.
ويلفت لـ”العرب” إلى أن التحولات التي حدثت خلال السنوات العشر كانت كبيرة، والتعرف عليها عن بعد أو عبر السماع من مقربين أو من خلال التلفزيون والأخبار غير كاف، ويحتاج إلى معايشة يومية ليستطيع الوصول إلى قناعات حول الأحداث، وجاءت فكرة الانتقال التدريجي بين القاهرة والخرطوم حتى اندلعت حرب 15 أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، لتعيده إلى المنفى.
◙ المشهد الأدبي والثقافي السوداني ضحية للأوضاع السياسية والاقتصادية لزمن طويل، وحاولت بعض الحكومات السيطرة على الأدب وتوجيهه لفترة من الفترات
ويذكر الأديب السوداني أنه تمنى اندلاع الثورة في عام 2015 حتى لو كان الثمن غاليا، ما جعل هذه الرؤية استشرافا للمستقبل أكثر منها أمنية أو حلما في خياله.
ويوضح زيادة أنه لا أحد يتمنى دفع الأثمان الغالية، لكن كان جليًا وقتها أن تأخر تغيير نظام الرئيس السابق عمر البشير لن يمر بشكل هين، ليس فقط بسبب ما شاهدناه في دول الربيع العربي التي انجرت فيها الثورات السلمية بعد ذلك إلى مناطق لم تكن في الحسبان، إلا أن السودان بالذات كان واضحًا أن كل لحظة تأخير في سقوط هذا النظام تعني أن الناس والوطن سيدفعون ثمنًا باهظا.
ويتابع “كل فرصة استفاد منها هذا النظام في البقاء ساعدته في تنفيذ هذا الشكل الأخطبوطي المرعب، ما ساعده على أن يمد أذرعه في كل الدولة والمجتمع للعبث بهما، وكان قادرًا على إدارة الصراعات التي خلقها، وربط كل الكيانات المختلفة بوجوده، فجعل نفسه نظام الضرورة”.
ولحظة أن يسقط قد يحدث صدام بين المكونات التي استعان بتناقضاتها ليعزز حضوره، لذلك رأى أن الشعب السوداني لو استطاع إسقاط هذا النظام في التسعينات لكان الثمن مختلفًا، ولو نجح في 2010 لكان الثمن أقل، ولو وُفّق في 2013 عندما حدثت انتفاضة عرفت بـ”هبة سبتمبر” لكان الثمن أقل مما دفعناه لاحقا.
ما يهم زيادة في المشهد الحالي هو حجم الضرر الواقع على المدنيين؛ إذ قارب عدد النازحين ستة ملايين مواطن أجبروا على ترك منازلهم التي دمرت ونهبت أو سكن فيها غيرهم، وهناك العشرات من حالات الاغتصاب، ووقائع الاعتداء على الأشخاص عديدة وتهديد حياتهم، وسقوط الآلاف من القتلى عرضًا أو مع سبق الإصرار والترصد، والاحتجاز غير القانوني، وهناك أخبار يتم تداولها عن انتشار تجارة الرقيق قوامها سيدات وفتيات مختطفات بسبب الحرب، وهذه الأمور وأكثر منها أنظر إليها وتجعلني أرى أن الإنسان هو الأهم في معادلة الحرب.
الفنون ضحية الحكومات
◙ أحداث المنطقة العربية تبدو مغرية بالكتابة عنها، فهي زاخرة بالصراعات
يرى حمور زيادة في حواره مع “العرب” أن المشهد الأدبي والثقافي السوداني ضحية للأوضاع السياسية والاقتصادية لزمن طويل، وحاولت بعض الحكومات السيطرة على الأدب وتوجيهه لفترة من الفترات، كما حدث في حقبة الرئيس جعفر النميري، حيث شهدت دعما كبيرا لحركة الفنون، لكن أيضًا النظام العسكري حاول توجيه الفنون إلى تحسين صورة النظام.
ويذكر أن ثمة شكلا مختلفا من التعامل جاء به نظام عمر البشير متمثلا في محاربة الفنون بشكل واضح في بداية التسعينات، إذ امتلكت الحركة الإسلامية مشروعا لاستبدال كل الفنون الموجودة بأخرى تعتبرها “إسلامية”، فالتمثيل يتحول إلى اسكتشات وعظات، بعضها به شيء من الإبداع، لكن لا تستطيع إجبار الفن على التحول إلى بوق دعاية وتتوقع منه أن يكون جيدا.
ويشير إلى أنه عندما نشبت الثورة في ديسمبر 2019 كانت هناك تحليلات بخصوص أجيال الشباب التي تعتبر هي الصانع الأكبر للثورة، وهؤلاء تربوا على أنواع جديدة من الفنون لم تنشأ في كنف الدولة، بل على هوامش المعارضة لها، وعندما أسقط الشباب هذا النظام جاءوا محملين بأشعار وروايات حاربتها السلطة، وفي خلفياتهم موسيقى يعزفونها وفنون يتذوقونها لا تعرف الدولة عنها شيئا ولا تعترف بها، فكان هؤلاء هم صنيعة “الفن المقاوم”.
وأدى الحديث عن الفن المقاوم ومواجهة الاستبداد إلى التوقف عند بعض الأعمال الروائية لحمور زيادة، منها روايته “شوق الدرويش” التي مزجت بين التاريخ والخيال، وانتقد فيها الاستبداد السياسي والديني، وكتبها بعد موجة الثورات العربية في فترة بدا فيها الربيع العربي هو مستقبل العالم العربي، وساد اعتقاد أن الثورات ستنجح، ولسبب ما ذهب حمور زيادة إلى استنطاق التاريخ عن واحدة من الثورات التي نجحت وأسست دولة استمرت لمدة 17 عامًا هي دولة “المهدية” في السودان.
◙ الفن والإبداع عملية جمالية لكن المقصد منها ليس تقديم آلام الآخرين في شكل جذاب ولا يُراعي هذه الآلام
ويؤكد الأديب السوداني لـ”العرب” أنه استعمل هذا المسرح للأحداث في “شوق الدرويش” بغرض النظر إلى مصائر الشخصيات وكيف يتحول أشخاص من كراهية الظلم إلى فعل الظلم نفسه، وكيف أطاح زلزال تغيير شكل الدولة والحكم بطبقات اجتماعية كاملة، وصعود أخرى في ظل الفوضى، وهنا لم يتحدث بشكل تاريخي، لكن من خلال تداخل الفن ليقدم التحليلات والصور لكيفية تحول ضحية إلى جلاد، وكيف ينظر الإنسان إلى نفسه والآخر في سياق هذه الظروف.
في رواية “الغرق – حكايات القهر والونس” عالج زيادة قهر الإنسان، خصوصا المرأة، إذ يهتم في أعماله عمومًا بعرض معاناة وقهر الإنسان في بعض المجتمعات العربية.
يقول “لا أعتقد أن هناك كاتبا في دول العالم الثالث يمكنه ألا يكتب عن القهر أو يتجاوزه، فهو خبز يومنا، ومن الطبيعي التحدث عن قهر الناس والجماعات العرقية، وقهر المواطن نفسه من نمط الحياة الحديثة أو الأنظمة الحاكمة”.
وحين كتب رواية “الغرق” لم يكن يفوض قلمه لكتابة فن موجه يتناول القمع الذي تتعرض له النساء، “لكن عندما يمتلك الكاتب موقفا من العالم ورؤية في الحريات وعلاقات القوة الموجودة داخل المجتمعات الذكورية ووضع المرأة فيها، والتفاوت الطبقي، فهذا الموقف من العالم يساعد عند اختيار الكتابة عن حكاية معينة في أن يتناولها من تصوره للعالم ورؤيته حتى لو كان ذلك بشكل غير واع، ومن الطبيعي أن تتداخل أمور حقوقية وناقدة للاستبداد والتفاوت الطبقي والتهميش والسيطرة وغياب التنمية المتوازنة في خيال الكاتب أثناء الكتابة”.
هموم السودان أولا
انشغل حمور زيادة في أعماله بالسودان، وفي تصريح أدلى به سابقا قال إنه لن يكتب سوى عن السودان، على الرغم من أنه عاش في دول أخرى واختلط بثقافاتها.
ويشدد الأديب السوداني في حديثه لـ”العرب” على أنه مازال عند هذا الرأي، وهو يقول “آرائي عُرضة للتغير ربما بعد سنوات أو شهور، فالأمور ليست جامدة، لكن حتى هذه اللحظة لا أشعر بأن هناك ما يمكن أن أقدمه بالكتابة عن غير السودان، هو مجتمعي أعرفه جيدًا ومدين له وأحمل همًا لمستقبله حسب ما يرى المرء في الأحداث التي تمر بها بلادنا قبل الحرب والثورة، وكل هذه الأشياء تجعل همي الأول هو السودان، وربما إذا كتبت في يوم من الأيام عن شيء يبدو خارج السودان فلا بد أن يحمل في داخله الأزمة السودانية التي أحمل همها”.
تحولت قصته الشهيرة “النوم عند قدمي الجبل” إلى فيلم “ستموت في العشرين”، بينما روايته “الغرق” في طريق التحول إلى فيلم سينمائي، ولا شك أن الأعمال الأدبية عندما تعرض من خلال السينما يزداد رواجها وشهرتها.
ويعتبر زيادة السينما “وسيطا مختلفا عن الكتاب، لذلك لم يتعامل مع ‘ستموت في العشرين’ كقصة من كتابتي، فهناك مخرج له رؤية في العمل، وخلق عملا فنيا جديدا استنادا إلى النص المكتوب، وأؤمن بالحرية الكاملة في تقديم الأعمال الأدبية عبر وسائط مثل المسرح والسينما والتلفزيون، ويمكن للسيناريست والمخرج أن تكون لهما رؤية، يستخدما ما كتبته بالشكل الذي يريدانه، ولا أنظر إلى العمل السينمائي والأدبي على أساس المقارنة والمنافسة بينهما فكلاهما يخدم الآخر”.
◙ حياة حمور زيادة تزخر بأحداث تؤهله ليكون بطلًا لعمل روائي، فقد تعرض لهجوم من إسلاميين بعد نشره قصة عن الاعتداء الجنسي على الأطفال، رآها متطرفون “خادشة للحياء العام للمجتمع”
ويشدد على أن رواية “النوم عند قدمي الجبل” استفادت من نجاح الفيلم، وقد يكون انتشار رواية “الغرق” دافعًا إلى حصول الفيلم المستوحى منها على دعاية مسبقة تساعده على الانتشار، لأنه جاء عن رواية قرأها وأحبها الكثيرون.
نشأ الكاتب والروائي والصحافي السوداني حمور زيادة بأم درمان، في كنف أسرة صغيرة لأبوين مثقفين بلا أطفال آخرين منافسين، ما كان له بالغ الأثر على تشكيل وعيه، حيث اهتم الأبوان بالثقافة والتاريخ والسياسة والرواية، ما جعل حياته تتفتح على المكتبات المنزلية وما حوته من كتب متنوعة في الأدب والتاريخ وعلم الاجتماع والسياسة واللغة، ولم يعرف لوقت طويل معنى متعة ألعاب الطفولة إلا قراءة كتاب جديد مناسب لعمره، واختطفه عالم الفنون فلم يستطع الفكاك منه، إذ لامسته النار المقدسة للكتابة.
وصدرت لحمور زيادة مجموعة قصصية بعنوان “سيرة أم درمانية”، ورواية “الكونج”، ومجموعة قصصية أخرى بعنوان “النوم عند قدمي الجبل”، ومع أن أعماله قليلة على حجم موهبته، إلا أن أثرها على الساحة الثقافية كبير وراسخ، ونالت تقديراً وترحيبا وتوجت أيضًا بجوائز مرموقة.
وفازت روايته الثانية “شوق الدرويش” بجائزة نجيب محفوظ للأدب عام 2014، التي تمنحها الجامعة الأميركية في القاهرة، وترشحت في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عام 2015. وعام 2018 أصدر رواية “الغرق… حكايات القهر والونس” التي حازت جائزة لجنة التحكيم التقديرية من معهد العالم العربي في باريس.