الرؤية نيوز

جريدة بريطانية : سر التحالف المفاجئ بين عبدالعزيز الحلو والجيش السوداني – تحليل

0

مراقبون يتوقعون وجود صفقة بينما يرى آخرون أن السبب هو توزع قبيلة المساليت بين الحركات المسلحة وقدرتها على مواجهة قوات “الدعم السريع”
منذ بداية الحرب السودانية في أبريل (نيسان) الماضي، ظلت قوات عبدالعزيز الحلو قائد “الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال”، تدير معارك جانبية ضد الجيش السوداني بهدف فرض السيطرة الكاملة على منطقة جبال النوبة.

وكان الحلو ينادي طوال سنوات صراعه مع الخرطوم بتقرير المصير للمنطقة، خصوصاً بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، حيث أصبحت جبال النوبة إضافة إلى منطقة الأنقسنا والنيل الأزرق هي الجنوب الجديد، وكانت هذه المعارك تُعد نوعاً من لفت النظر إلى قضايا مطلبية، وتشتيت جهود القوات المسلحة والضغط على الخرطوم سياسياً وعسكرياً، لا سيما أن حركة الحلو كانت ضمن الحركات التي رفضت التوقيع على اتفاق جوبا للسلام عام 2021، وظلت على موقفها الرافض للتوقيع إلى جانب “حركة تحرير السودان” جناح عبدالواحد نور.

وبعد تسعة أشهر من الحرب، تغير على نحو مفاجئ موقف الحلو، إذ شنت قواته إلى جانب الجيش السوداني هجمات ضد قوات “الدعم السريع” التي حاولت دخول مدينة الدلنج ثاني أكبر مدن ولاية جنوب كردفان التي تسيطر عليها “الحركة الشعبية- شمال”، ويتردد أن هناك صفقة بين الجيش والحركة لتسليمها المدينة مقابل التحالف معه.

بهذا التطور تكون الحرب المتصاعدة قد وصلت إلى منطقة هشة أمنياً وسياسياً ومتنازع عليها إثنياً، وعلى مقربة من الحدود المشتعلة بين دولتي السودان وجنوب السودان في أبيي، فدارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة في جنوب كردفان، هي مناطق حروب قديمة متجددة، لازمها انهيار اتفاقيات سلام عدة.

عداء تاريخي

من العوامل التي يمكن أن تكون أسهمت في التقريب بين الجيش و”الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال” في هذه الحرب، أن هناك عداء تاريخي بين قبيلة الرزيقات التي ينتمي إليها قائد قوات “الدعم السريع”، وبين قبيلة المساليت التي ينتمي إليها عبدالعزيز الحلو حيث تنحدر أصوله من منطقة الجنينة في غرب دارفور وكان أهله من بين المساليت الذين فروا من الضرائب الباهظة التي فرضها سلطان المساليت في عشرينيات القرن الماضي واستقروا في أربع قرى في جبال النوبة.

حارب الحلو مع “الجيش الشعبي لتحرير السودان” في جبال النوبة وفي دارفور أيضاً، واختير رئيس حملة “الجيش الشعبي” التابع لـ”الحركة الشعبية لتحرير السودان” في المنطقة من بحر الغزال إلى دارفور بعد أن تم أسر وقتل قائدها المنحدر من قبيلة الفور، داوود يحيى بولاد بعد انشقاقه عن “الحركة الإسلامية” وانضمامه إلى “الحركة الشعبية”.

وبعد أن أصبح الحلو قائداً لـ”كتيبة السودان الجديد” فرع “الجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال” في أواخر تسعينيات القرن الماضي، قام بتجنيد عدة مئات من المساليت إلى الحركة الشعبية، وشن بقواته هجوماً على القوات الحكومية في مدينة راجا الجنوبية، ثم انطلق إلى دارفور مع بداية الحرب هناك عام 2003، حيث زادت معاناة المساليت من الهجمات التي نفذتها ميليشيا “الجنجويد” عليهم.

وبعد توقيع اتفاق السلام الشامل (نيفاشا 2005)، وتعيين الحلو نائباً لوالي جنوب كردفان، تلاشى اهتمام “الجيش الشعبي” بالمساليت وقرروا الاندماج في حركات دارفور التي يسيطر عليها زعماء من قبيلتي الفور والزغاوة. وفي الائتلاف بين قبيلة المساليت وهاتين القبيلتين في الجيش الشعبي شغل خميس أبكر منصب نائب الرئيس، ولكن لم ير فيه المساليت القائد الذي يمكنه تحقيق حلمهم، فانضم عدد كبير منهم مرة أخرى إلى حركة “العدل والمساواة” عام 2011.

ومرة أخرى انضم فصيل الجيش الشعبي الذي يتكون جزئياً من المساليت إلى حركة “تحرير العدالة” التي دخلت في تفاوض مع الحكومة السودانية ووقعت معها وثيقة الدوحة عام 2011، وهكذا توزع المساليت بين الحركات المسلحة في جنوب السودان ودارفور، ثم في هذه الحرب أبادت قوات “الدعم السريع” العشرات منهم في مدينة الجنينة بغرب دارفور، ومنهم والي ولاية غرب دارفور خميس أبكر الذي تمت تصفيته على يد القوات.

معارضة الاتفاق

هناك عامل آخر لتحالف الحلو مع الجيش يتعلق بأزمة القيادة المتجذرة لدى القوات المؤلفة من المساليت المنضمة لـ”الجيش الشعبي والحركة الشعبية -شمال”، فطوال تاريخها نظراً لزعامتها المتحققة عبر الحلو وخميس أبكر، اللذان يتمتعان بشعبية واسعة، وذلك لإنصاف المساليت الذين كانوا في الغالب مهمشين في مخيمات اللاجئين في غرب بحر الغزال وجمهورية أفريقيا الوسطى ومدينة كافيا كنجي الحدودية مع أفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان.

عارضت “الحركة الشعبية لتحرير السودان-جناح الحلو” اتفاق جوبا للسلام الموقع عام 2021، بين المدنيين والعسكريين ممثلين في رئيس مجلس السيادة والمجلس العسكري الفريق عبدالفتاح البرهان ونائبه، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وكان موقع الحلو الرافض التوقيع إلى جانب حركة تحرير السودان -جناح عبدالواحد محمد نور، بينما وقعت بقية الحركات المسلحة من دارفور وجبال النوبة، بما فيها “الحركة الشعبية لتحرير السودان- جناح مالك عقار”.

كان الحلو في ما قبل يستقوى بهذه الحركات المسلحة التي دخل معها في إئتلافات عدة وآخرها “الجبهة الثورية”، والتي ضمت “الحركة الشعبية -شمال”، و”جيش تحرير السودان -جناح مني أركو مناوي”، و”حركة العدل والمساواة”، ومجموعة المساليت التشادية، وجماعة المساليت في الخرطوم، ومن الأحزاب السياسية، حزب “الأمة” والحزب “الشيوعي”.

التقى هؤلاء في مؤتمر عُقد عام 2011، وكان أحد أهدافه التطرق إلى قضية قيادة المساليت، واتفق المشاركون على أن يكون عبدالعزيز الحلو القائد لجماعة المساليت في “الحركة الشعبية” ودارفور، التي ظلت فيها المجموعة تعاني من عمليات نزوح كبيرة بسبب الحرب وفقدان لأراضيها، وكان هناك صراع بين الحلو ووالي جنوب كردفان المنتمي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم وقتها، أحمد هارون الذي كان يكن عداء كبيراً للحركات المسلحة وفي مواجهة دائمة معهم، وهو مُتهم من قبل “المحكمة الجنائية الدولية” بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور عندما كان يشغل منصب وزير الدولة بوزارة الداخلية والمسؤول عن الملف الأمني في دارفور.

كان هناك اتجاه لدى “الجبهة الثورية” بأن يكون الحلو قائداً لجسم موحد يشمل “الحركة الشعبية”، وحركات دارفور بوصفه من المساليت، وقائداً أيضاً للحركة الشعبية ومقرباً من حركة “العدل والمساواة” التي كانت تسعى للتواصل الفعال مع “الحركة الشعبية”، ولكن بعد انتفاضة 2018، انصرفت الأحزاب السياسية في “الجبهة الثورية” للانضمام إلى “قوى إعلان الحرية والتغيير”، تاركة الحلو وحركته.

تحالف آني

أحد عوامل التحالف بين الحلو والجيش السوداني هي أنه كان لدى الحلو فرصة ذهبية في السيطرة على منطقة جبال النوبة، في ظل غياب قوات الجيش عن حماية المنطقة الغنية بالذهب والثروات المعدنية، ولن يسمح لأي قوات سواء أكانت “الدعم السريع” أم الجيش من وضع يدها عليها، وما يبدو من تحالف بينه وبين الجيش هو تحالف آني فرضته اللحظة، إذ إنه ليس بمقدوره محاربة قوتين في آن واحد.

وتمتد المنطقة التي يسيطر عليها الحلو إلى تخوم منطقة أبيي الغنية بالنفط، وهي منطقة متنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان بعد الانفصال، ولن تستطيع أي من الدولتين وضع يدها عليها إلا بعد الفصل فيها، إذ لا تزال تبعيتها غير محسومة لأي من الدولتين، السودان أم جنوب السودان، وشعبياً لأي من القبيلتين، المسيرية المدعومين من السودان الشمالي أم دينكا نقوك المدعومين من دولة جنوب السودان.

وعلى رغم عدم الاستقرار في المنطقة التي تصر فيها كل من القبيلتين على تبعيتها لها إلا أنهما كانتا تتقاسمان النشاطات الاقتصادية المختلفة، والتي يغلب عليها الرعي، بتحديد مساحات معلومة باتفاق زعماء العشائر لا تتجاوزها أياً منهما.

ويمكن أن يكون لقاء حميدتي الأخير بقيادات قبيلة الدينكا في محلية أبيي، وما تردد بأنه وعدهم بأيلولة المنطقة إليهم، مما يعده الحلو وغيره خطوة استباقية لـ”الدعم السريع”، وكثير من الإشارات ترجح أن على الحلو الانتظار على هامش النزاع بين دولتين، إلى أن ينفض بدلاً من تدخل قوات أخرى شبه عسكرية، خصوصاً أنه لن يستطيع تمثيل أي من الإثنيتين المتنازعتين على المنطقة، كما أن تاريخ حركته السياسية معادٍ لـ”الدعم السريع” وللجيش الذي يتحالف معه الآن، وإن تم التيقن من وقوف “الدعم السريع” مع قبيلة “الدينكا” في جنوب السودان في هذه القضية، فسيستمر الحلو إلى جانب “المسيرية” وحكومة السودان.

توتر مركزي

بوصول الحرب إلى منطقة جبال النوبة وتجاوزها الخرطوم وود مدني، فإن قضية وقف الحرب والمبادرات بشأن التوسط في النزاع، يعترضها سياسياً رفض قادة الجيش ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، حضور القمة التي دعت لها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) في أوغندا في الـ18 من يناير (كانون الثاني) الجاري، بينما أعلن “حميدتي” موافقته على الدعوة الأفريقية.

أما عسكرياً فيعترض وقف الحرب تحول كل الجهود المبذولة لوقفها إلى تحقيق أهداف عسكرية أخرى، وهذه الدينامية بمثابة توتر مركزي يعوق المساعدة لحل هذه القضية من دون اللجوء إلى التهديد أو التنازل.

وبالنظر إلى تعامل القوات المسلحة مع طرفين شبه عسكريين، قوات “الحركة الشعبية” كحليفة آنية، وقوات “الدعم السريع” كعدو منسلخ عنه، فإنه مثلما لقائد “الدعم السريع” حميدتي حلم بالسيطرة والسلطة والثروة، فلقائد “الحركة الشعبية” الحلو حلم أيضاً، سيسعى كل منهما إلى تحقيقه بوسائل شتى، يدخل فيها هذا التحالف الظرفي كعنصر أساسي لخط سير الحرب في الفترة المقبلة.

المصدر: جريدة اندبندنت البريطانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!