هل ما حدث في النيجر، مالي وبوركينافاسو وتشاد، مرتبط بالأزمة الداخلية في السودان..تحليل استراتيجي
مخطط لنشر الفوضى والحروب في الساحل والصحراء
بقلم : محمد بن أحمد -جريدة الخبر الجزائرية
الانقلابات العسكرية التي وقعت في دول الصحراء والساحل في الفترة الأخيرة، ترتبط من حيث التوقيت مع ثلاثة أحداث عالمية كبرى، فقد تزامنت بشكل مثير مع حرب أوكرانيا وروسيا وما ترتّب عنها من أزمة طاقة عالمية، كما أنها تزامنت مع تصاعد المواجهة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وما يدور حول توجّه الصين نحو القارة الإفريقية.
ستتواصل الاضطرابات السياسية والأمنية في دول الساحل والصحراء، وقد تتفاقم في السنوات القادمة، لأن مبرر حدوثها ما يزال قائما. فالحرب الأوكرانية لم تنته وحاجة أوروبا وعطشها الشديد للطاقة سيتفاقم في السنوات القادمة. كما أن المواجهة الاقتصادية العالمية بين الصين وأمريكا ستستمر وتتوسع. أما منطقة الساحل والصحراء الإفريقية التي “سقطت” في العقود الماضية من خريطة نفوذ كبار العالم ثم عادت مباشرة مع بداية انحسار النفوذ الفرنسي، فإنها قد تشهد مواجهة غير مباشرة وحروبا بالوكالة بين كبار العالم.
بعض تقارير خبراء الإستراتيجية الكبار، تعتبر ما حدث في النيجر، مالي وبوركينافاسو وتشاد، مرتبط بشكل مباشر مع الأزمة الداخلية الكبيرة في السودان، وتعتبرها جزء من سلسلة تطورات ستتواصل في المنطقة الداخلية من القارة الإفريقية، والسبب هو أن هذه المنطقة تضم مخزونا هائلا من الثروات الطبيعية غير المستغلة.
كشفت أكبر شركة لتعدين وتصدير اليورانيوم، وهي شركة تستغل مناجم اليورانيوم في كازاخستان، أن أحداث عام 2023 في النيجر، أدت إلى تراجع كبير في كمية اليورانيوم الذي تستغله شركة فرنسية وتصدّره من النيجر إلى دول أوروبية لتشغيل المفاعلات النووية العاملة في إنتاج الطاقة الكهربائية. وفي تقرير اقتصادي، حذّرت شركة كازاتومبروم المتخصصة في تصدير اليورانيوم، أن مشكلات تقنية ستمنعها من تصدير الكميات المطلوبة من اليورانيوم في عامي 2024 و2025.
وأكد تقرير متخصص أن نقص المعروض من اليورانيوم في السوق العالمية بدأ منذ عام 2023 نتيجة ارتفاع الطلب على هذا المعدن المهم وتراجع كميات اليورانيوم القادمة من النيجر بعد الانقلاب العسكري في 2023، في نفس الوقت ارتفع الطلب على اليورانيوم لتشغيل المفاعلات النووية الكبرى التي تعمل منذ عام 2022 بأقصى طاقة لها لتغطية الطلب الكبير على الكهرباء في أوروبا بسبب أزمة الغاز عقب حرب أوكرانيا. وقال تقرير اقتصادي متخصص، أن أي اضطراب جديد في منطقة الصحراء والساحل، قد يؤدي إلى أزمة يورانيوم كبيرة في أوروبا تفاقم أزمة الطاقة التي تعاني منها القارة العجوز، وبما أن السياسة والاستراتيجية العليا للدول لا تعترف بالصدف، لا يمكن فصل هذه الأحداث والمعطيات عن “المناورات” الجارية على مستوى عالمي لتأخير وتأجيل إنجاز خط الأنابيب العابر للصحراء القادم من نيجيريا باتجاه أوروبا عبر النيجر والجزائر.
ويقود رأس النظام المغربي، محمد السادس، شخصيا هذه المناورات التي لا تهدف إلا لتأجيل تنفيذ المشروع الطاقوي الضخم. مع العلم أن تنفيذ المشروع البديل لخط أنابيب نيجيريا، النيجر، الجزائر، مستحيل لأسباب تقنية وقانونية، على اعتبار أن الصحراء الغربية منطقة محل نزاع لا يجوز استغلالها من دولة محتلة. وفي ذات توقيت الحديث عن إنجاز خط أنابيب الغاز نيجيريا، النيجر، الجزائر، وتحقيق بعض التقدّم في المشروع الكبير، وقع انقلاب عسكري في النيجر وتصاعدت التهديدات بالتدخل العسكري لمجموعة “إيكواس” ضد الانقلاب العسكري، وقد ساهمت الجزائر في منع انفلات الوضع واندلاع حرب كبيرة في الساحل والصحراء. كل هذه العوامل أرغمت الدول الأوروبية على شراء الغاز الصخري من الولايات المتحدة الأمريكية بكلفة تصل إلى 7 مرات أغلي من الغاز الذي كانت أوروبا تحصل عليه من روسيا قبل بداية حرب أوكرانيا. روسيا ليست المستفيد الوحيد من تصاعد أزمة الطاقة في أوروبا بعد حرب أوكرانيا، لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي المستفيد الأكبر من الأزمة، مع اضطرار أوروبا لشراء الغاز الصخري الغالي من أمريكا. ومن المفيد أيضا بالنسبة للوبي شركات النفط والطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، أن تتفاقم أزمة الطاقة في أوروبا أكثر مع أزمة اليورانيوم التي بدأت مع أحداث النيجر في 2023.
الأحداث المتسارعة في منطقة الساحل والصحراء، تتزامن أيضا مع رغبة الصين في دخول القارة الإفريقية والاستثمار فيها وتقديم قروض صينية للدول الإفريقية الفقيرة، والتي تمتلك مخزونا ضخما من الموارد الطبيعية والمعادن النفيسة المطلوبة في العالم كله. القراءة المتأنية للأحداث في إفريقيا الصحراء والساحل وتراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة، تعني أن الثلاثة الكبار في العالم، أمريكا، الصين وروسيا، قرروا دخول المنطقة، ولهذا السبب لا يمكن لفرنسا المستعمر السابق، البقاء مع دخول القوى العالمية. وقد تشهد المنطقة المزيد من الأزمات والمشكلات، وهذا ما سيضع الجزائر أمام أعباء أمنية وسياسية كبيرة بشكل خاص، مع إدراك كل القوى العالمية، أن الجزائر هي مفتاح الاستقرار والأمن في هذه المنطقة من العالم.