أصبح حديث الناس إن كان في ولاية الخرطوم أو غيرها من الولايات عن غياب مظاهر الحكومة وكأنه لا توجد حكومة.
يظهر هذا جلياً في قضية الأمن التي باتت حديث الناس حتى في ولايات لم تعرف من قبل الانفلاتات الأمنية، وليس الأمن فحسب، يتجلى ذلك في قضايا الخدمات الأساسية، الطرق، النفايات، المياه والكهرباء، وتبرز مثل هذه القضايا بشكل أكبر في فصل الخريف.
الآن، ولاية الخرطوم تعاني أوضاعاً غير مسبوقة في تردي خدمات تصريف مياه الأمطار، فبعد “مطرة” واحدة تحوَّلت الولاية إلى بركة مياه، بعض المناطق انقطعت تماماً، بالمقابل فإن الولاية سبق وأعلنت استعدادها بالدرجة القصوى لفصل الخريف وهاهي تسقط من أول “مطرة”.
هو ذات الوضع الذي تعيشه الخرطوم منذ سنوات المخلوع، إعلان استعداد، ثم سقوط مدوٍ. فعلياً المتجول في ولاية الخرطوم قبيل موسم الأمطار، يلاحظ أن عدداً مقدراً من المجاري تم فتحها، لكن كمية التراب والنفايات التي تم إخراجها من هذه المجاري ظلت باقية في مكانها بدلاً عن نقلها في الحال، فعادت المجاري كما كانت عليه مغلقة بسبب تراكم النفايات، ونسفت استعداد الولاية لفصل الخريف، قطعاً هذه ليست فقط المعضلة، لكن على سبيل المثال تعكس عدم الاهتمام بإكمال العمل، وهذه أصبحت سمة الحكومات المتعاقبة.
صحيح أن ولاية الخرطوم تعاني اكتظاظاً سكانياً متزايداً، وأنها تتحمل فوق طاقة بنيتها التحتية، لكن مع تراجع وتردي الخدمات في بعض الولايات وانعدامها في أخرى لن يتوقف هذا الاكتظاظ بل المؤكد سوف يتزايد.
هذا فقط نموذج لمظاهر غياب الحكومة التي دوماً تظل متفرجة على الأوضاع وهي غير قادرة أو راغبة في العمل.
التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة الانتقالية هو ضعف المحليات وغيابها بالكامل. الاهتمام وتثبيت وتقوية السلطات المحلية هو الضامن الحقيقي للاستقرار وانسياب الخدمات وهو بالمقابل يخفف الضغط المستمر على الحكومات المركزية أو الولائية.
المواطن على وجه السرعة يريد أن يرى مظاهر الحكومة في خدماته اليومية التي تبدأ بالأمن ولا تنتهي بضبط الأسواق على سبيل المثال.
خلال سنوات المخلوع تحولت المحليات إلى واجهات للنهب المقنن والجبايات وارتبطت في ذهن المواطن بالتحصيل مقابل لا شيء، أما وقد انتهى ذلك العهد، المطلوب على أقل تقدير أن تعود هذه المحليات لعملها المنتظر.
®اليوم التالي
