نشرة الإنتربول الحمراء: أداة جديدة في الصراع السياسي بالسودان..محللون يعلقون
قامت اللجنة الوطنية للتحقيق في جرائم وانتهاكات قوات الدعم السريع في السودان، في شهر أبريل الماضي، بتقديم بلاغات ضد رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” عبدالله حمدوك وعدد من قيادات التنسيقية، وطلبت منهم تسليم أنفسهم خلال أسبوع للمثول أمام القضاء بتهمة التورط في “جرائم حرب”.
سرعان ما تطورت الأوضاع إلى مطالبة النيابة العامة لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول” بإصدار نشرة حمراء بحق المتهمين، مما دفع التنسيقية للتحرك لمواجهة ذلك.
يعتبر من أبرز المطلوبين القيادي في التنسيقية والوجه المعروف في المعارضة، ياسر عرمان، والقيادي في حزب المؤتمر السوداني والوزير السابق، خالد عمر يوسف، وزينب ومريم، ابنتا رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي. كما تشمل القائمة رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، وعضو مجلس السيادة السابق، محمد الفكي سليمان، بالإضافة إلى إعلاميين مشهورين بدفاعهم عن “تقدم” مثل شوقي عبدالعظيم، ورشا عوض، وماهر أبو الجوخ.
من الحكم إلى المعارضة
سبق نشوب الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حدوث نشاط سياسي مكثف لإعلان “الاتفاق الإطاري”، الذي كان من المفترض أن يعيد “قوى الحرية والتغيير” إلى السلطة مرة أخرى، بعد أن أُزيحوا عن الحكم بواسطة المكون العسكري في إجراءات اتخذها قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الحالي عبد الفتاح البرهان، والتي وُصفت بأنها “انقلاب” في أكتوبر 2021.
بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023، تم تشكيل تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية برئاسة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك. تهدف هذه التنسيقية، وفقًا لبيان التأسيس، إلى توحيد القوى المدنية وإنهاء النزاع. تضم التنسيقية مجموعة من الأحزاب والمنظمات المدنية، بالإضافة إلى ناشطين، ومن بينهم قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم السابق).
أعلنت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” أنها قدمت مذكرة إلى الإنتربول لرفض طلب النيابة العامة السودانية بشأن إصدار نشرة حمراء ضد قياداتها، وأبرزهم رئيس التنسيقية عبد الله حمدوك.
اعتبرت التنسيقية في بيانها أن “الاتهامات الموجهة من قبل النيابة العامة تحمل طابعاً سياسياً وتستهدف إلحاق الأذى”، بعد أن تضمنت “اتهامات بتقويض النظام الدستوري”، و”الإبادة الجماعية”، و”التحريض ضد الدولة”، كما ورد في البيان.
دعت “تقدم” المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى التصدي لأي محاولات لاستغلال النظام القضائي الدولي لأهداف سياسية، وذلك بحسب ما أفادت به اللجنة القانونية التي تقدمت بالمذكرة نيابة عن التنسيقية.
“تصنيف حكومي”
تتمسك النيابة العامة السودانية بتورط قائمة الـ16 في الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع.
قال مصدر مطلع في النيابة العامة لـ”الشرق”، إن النيابة “تمتلك أدلة تثبت وجود علاقة قوية بين الدعم السريع وتقدم”، لكنه رفض الكشف عن تفاصيل الأدلة أو طبيعتها، أو كيفية “إمكانية استخدامها لإدانة قيادات التنسيقية وبقية الأفراد المعنيين”.
وقال: “ستستمر النيابة في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتهمين سواء كانوا حاضرين أو غائبين”.
في وقت سابق، أدلى النائب العام، الفاتح طيفور، بتصريحات في مقابلة مع التلفزيون الرسمي السوداني، حيث أفاد بأن “النيابة العامة أصدرت مذكرات استرداد لـ 346 متهماً هارباً من قادة التمرد”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع، كما أصدرت نشرة حمراء بحق 16 متهماً ممن وصفهم بـ “داعمي التمرد”.
ورأت زحل الأمين، أستاذة القانون الدولي، في تصريحاتها لـ”الشرق”، أن قائمة الاتهامات التي قدمتها النيابة العامة في السودان ضد قيادات “تقدم” تأتي في سياق “التصنيف الحكومي”، حيث تدَّعي أن المتهمين يدافعون عن الدعم السريع إعلامياً وسياسياً. وأضافت أنه “إذا نظرنا إلى التنسيقية بشكل منطقي وعقلاني، نجد أن الشخص المتهم بالإبادة الجماعية يجب أن يكون مسلحاً لتنفيذ الجريمة. لكن حين يتم تقييم هذه الجرائم عبر الإنتربول، يتم النظر في مسائل لم تأخذها الحكومة السودانية بعين الاعتبار”.
قال شوقي عبدالعظيم، الصحافي الذي ورد اسمه في قائمة المتهمين الـ16، في تصريحات لـ”الشرق”، إن “هذه الاتهامات تثير السخرية، كيف يمكن لقوى مدنية تدعو منذ فترة طويلة إلى إنهاء الحرب أن تُتهم بالإبادة الجماعية”.
وأضاف: “هذه القوى دعت إلى اتفاق سياسي، فالاتهام بالإبادة يتطلب امتلاك سلاح والتواجد على الأرض، وكنا نتوقع أن نحصل على دعم من النائب العام”.
ويتابع قائلاً: “تم احتجازي بعد بدء الحرب، وتم أخذ مستنداتي الشخصية وهاتفي لمدة شهرين، ثم سلموها لي لاحقاً. حينها سألت ضابطاً من الجيش إذا كنت مداناً، فأجاب بأنه لا توجد أي تهمة ضدي.”
أشار شوقي في تصريحاته لـ”الشرق” إلى أنه غادر إلى مصر بطريقة قانونية ولم يتم توقيفه، مؤكدًا أن هذه التهم “سياسية”، وتأتي “في إطار تجريم المدنيين”. وأضاف: “المتشددون ومن يتحدثون باسمهم يسعون لتشويه صورة القوى المدنية من خلال العدالة، وهذا أسلوبهم لطرد الخصوم السياسيين، وهو أمر دعائي يهدف إلى تجريم من يدعون إلى إنهاء الحرب”.
اعتبر القيادي في تنسيقية “تقدم” في تصريحاته لصحيفة “الشرق” أن هذه الإجراءات ليست سوى استمرار لما قامت به حكومة المخلوع عمر البشير وعصابته في مواجهة القوى المدنية والديمقراطية. وأضاف أن تاريخنا السياسي مليء بمثل هذه الإجراءات (التي تتعلق باستخدام الأجهزة القضائية لتصفية الخصومات السياسية)، وهو ما يثبت فساد وعطب هذه المنظومة، مما يستدعي إعادة بنائها على غرار المنظومة الأمنية.
حبر على ورق
قال رئيس تحرير صحيفة السوداني، عطاف محمد مختار، في تصريحات لقناة “الشرق”، إن التاريخ السوداني مليء بأحداث مشابهة للخطوة التي قامت بها النيابة العامة بالتوجه للإنتربول لإصدار نشرة حمراء بشأن بعض القيادات السياسية، مضيفاً أنه قد تم القبض على عدد من السياسيين من خلال إجراءات مشابهة في السابق.
وأضاف: “وقد أصدرت محكمة سودانية قبل عشر سنوات حكماً غيابياً بالإعدام شنقاً بحق رئيس الحركة الشعبية شمال السودان المتمردة آنذاك، مالك عقار، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس السيادة، ولكن بمجرد توقيع أي اتفاق سلام، تصبح هذه الأحكام غير فعالة”.
وأعطى مختار مثالاً بمؤسس الحركة الشعبية، جون قرنق، الذي حارب الدولة السودانية لمدة عقدين، مشيرًا إلى أنه “في النهاية أصبح نائبًا أول لرئيس الجمهورية”. كما ذكر مناوي الذي “تمرد مرتين”، مضيفًا: “بعد التمرد الأول دخل القصر كمساعد لرئيس الجمهورية، وبعد التمرد الثاني أصبح الآن حاكمًا لدارفور”. وكذلك “اللواء عبد الرحمن الصادق المهدي تمرد على الدولة وهدد بتفجير أنابيب النفط، وبعد ذلك أصبح مساعدًا لرئيس الجمهورية”.
وتابع: “حميدتي، هو نفسه الذي تمرد على البشير، وبعد ذلك أصبح قائدًا للدعم السريع، وتم سن قانون خاص له حتى تمكن من السيطرة على الدولة، كما أصبح نائبًا لرئيس مجلس السيادة، وليس من المستبعد أن نشاهد قادة آخرين يتقدمون على رأس الدولة مرة أخرى”، معتبرًا أن “كل من يقرر التمرد في السودان يتم ترقيته”.
يرى المراقبون أن الإجراء الحكومي تجاه تنسيقية “تقدم” قد يؤثر بشكل أو بآخر على قاعدة “تقدم” الشعبية، وهو ما استمرت في الاعتماد عليه بعد ثورة ديسمبر 2019.
قناة الشرق