الرؤية نيوز

مخاوف مصرية بشأن مشروع في جنوب السودان وأوغندا

0

يؤكد البعض أن تأثيرهما على المصالح المائية لقاهرة سيكون محدوداً، بسبب انخفاض قدرتهما التخزينية.

ملخص
من المحتمل أن تشهد القمة القادمة صراعًا جديدًا بين القاهرة ودول حوض النيل، وخاصة مع جوبا وكامبالا.
أعلن كل من جنوب السودان وأوغندا قبل يومين عن خطة مشتركة لإنشاء سدين على نهر نيمور، أحد روافد النيل الأبيض، بميزانية تصل إلى 96 مليون دولار. تهدف هذه الخطة إلى توفير الري الزراعي، وتطوير إمدادات المياه، والموارد الحيوانية لكلا البلدين، بالإضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية. وفقًا للمشروع المعروف باسم “نيمور- ليمور”، سيتم بناء أحد السدين في جنوب السودان بتكلفة تقدر بنحو 36 مليون دولار، والآخر في أوغندا بتكلفة تبلغ حوالي 60 مليون دولار أميركي.
توقعت مصادر من أوغندا أن يتم مناقشة المشروع رسميًا في القمة المقبلة لدول حوض النيل، في سياق التعاون الإقليمي والنزاعات المحتملة، لا سيما مع مصر، في ظل التوترات الحالية بشأن استخدام مياه النيل، خصوصًا بين مصر ودول المنبع. تعتمد القاهرة بشكل رئيسي على النيل لتلبية احتياجاتها المائية، خاصة وأن المنطقة تشهد نزاعًا كبيرًا منذ أكثر من 15 عامًا حول الحقوق التاريخية لمياه النيل، وقد تفاقم هذا النزاع بعد بدء إثيوبيا في بناء “سد النهضة الكبير” بعيدًا عن الاتفاقيات التاريخية التي تحدد حصص المياه لكل دولة. من المتوقع أن تشهد القمة المقبلة مواجهة جديدة بين القاهرة ودول حوض النيل، وخاصة مع جوبا وكامبالا. وأفادت صحيفة “كامبالا تايمز” أن الإعلان عن مشروع “نيمور-ليمور” يأتي في وقت تسعى فيه الدولتان لتعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق التنمية المستدامة، مشيرة إلى أن المشروع سيساهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين وتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة. وقد قلل خبراء مصريون من المخاطر التي يشكلها سدي جنوب السودان وأوغندا على الحصص المصرية من المياه، مؤكدين أن الخطر الأكبر يأتي من كينيا وإثيوبيا، حيث تخطط كينيا لإنشاء شبكة من السدود المتوسطة الارتفاع، بسعة تخزينية تتراوح بين 8 و14 مليار متر مكعب، بينما تخطط إثيوبيا لإنشاء ثلاثة سدود كبرى على النيل الأزرق، إضافةً إلى سد النهضة الذي أصبح واقعًا، بسعة تخزينية تصل إلى 60 مليار متر مكعب. وقد أشار وزير الري المصري السابق، نصر الدين علام، إلى أن سعي جنوب السودان وأوغندا لبناء سدود جديدة على النيل يعد تنفيذًا لاتفاقية “عنتيبي”، التي ترفضها مصر والسودان، مضيفًا أن المشروع قديم وتم تحديثه مؤخرًا، وأن جوبا، رغم إعلانها سابقًا تأجيل توقيع الاتفاقية، مستمرة في بناء السدود دون إخطار مسبق لمصر، كما تنص عليه الاتفاقيات التاريخية الموقعة بين مصر والسودان من جهة ودول المنبع من جهة أخرى. وأوضح علام أن مصر تدرك حاجة جنوب السودان، خاصةً لبناء سدود صغيرة لأغراض تنموية، وقد أعلنت سابقًا دعمها لجوبا بمنحة قدرها مليون دولار أمريكي لإجراء دراسات الجدوى الفنية لإنشاء سد “واو” متعدد الأغراض، بسعة تخزينية لا تزيد عن مليارين متر مكعب. ولم تعلق مصر رسميًا على التصريحات الأوغندية والجنوب سودانية حتى كتابة هذا التقرير، لكن من المتوقع أن تدافع القاهرة في القمة المقبلة عن تمسكها بالاتفاقيات التاريخية، وبخاصة اتفاقية عام 1929 التي أبرمتها بريطانيا (ممثلة عن السودان وأوغندا وكينيا وتنزانيا) مع مصر بشأن توزيع مياه نهر النيل، والتي تنص على “عدم إقامة أي إجراء على النيل وفروعه من شأنه تقليص حصة مصر بدون اتفاق مسبق مع القاهرة”. من جانبه، اعتبر الباحث الأوغندي في الشأن الأفريقي، كونجو المادي، أن سدي “نيمور-ليمور”، اللذين تم الإعلان عنهما بين كامبالا وجوبا، يعدان تجسيدًا للعلاقة المميزة التي تجمع العاصمتين منذ عقود.
يشير إلى أن بلاده قد دعمت استقلال جنوب السودان، وتهدف إلى تعزيز العلاقات التاريخية بين الشعبين من خلال العديد من المشاريع التنموية، مثل توليد الكهرباء وتطوير الري الزراعي والحفاظ على الموارد الطبيعية. ويكشف الباحث الأوغندي أن الاتفاق الثنائي يأتي في سياق تنفيذ اتفاقية “عنتيبي” الموقعة عام 2010، التي تتعلق بإعادة تقسيم مياه نهر النيل، حيث تتيح لدول المنبع إنشاء مشاريع مائية تدعم خططها التنموية. ويشير إلى أن “الاتفاقية قد أنهت منذ أكثر من عشر سنوات الالتزامات المجحفة التي كانت تفرضها ما يُعرف بالاتفاقات التاريخية المتعلقة بحصص مياه النيل، والتي كانت قد وُقعت خلال الفترة الاستعمارية”، معتبرًا أن الشعوب الأفريقية لم تكن تمتلك السيادة على بلدانها ومواردها الطبيعية في ذلك الوقت.
يؤكد كونجو أن سدي “نيمور- ليمور” لن يؤثرا سلباً على المصالح المائية في السودان ومصر، خصوصاً أن سعاتهما التخزينية محدودة مقارنة مع السد العالي المصري وسد النهضة الإثيوبي. ويضيف أن هناك إطاراً قانونياً لحل الخلافات والنزاعات بين دول حوض النيل، وهو ما تضمنته اتفاقية “عنتيبي” التي وقعت عليها كافة دول حوض النيل باستثناء مصر والسودان.
يعتقد كونجو أن الاتفاقيات الثنائية والجماعية بين دول حوض النيل قد تشهد تقدماً ملحوظاً في الفترة القادمة، خاصة مع زيادة عدد السكان في هذه الدول، والحاجة إلى تحقيق تغييرات نوعية في مجال التنمية المستدامة. كما دعا دولتي المصب، مصر والسودان، إلى “أهمية فهم حاجتنا إلى التنمية”.
رأى الباحث الأوغندي أن رفض مشاريع دول حوض النيل استنادًا إلى ما يُعرف بالاتفاقات التاريخية يُعتبر موقفًا سلبيًا. وبيّن أن “المواقف المصرية والسودانية لم تمنع بناء سد النهضة الإثيوبي، الذي أصبح واقعًا حاليًا. لذلك، أعتقد أنه من الأفضل تفعيل الأسس القانونية التي تسمح بإنشاء آليات وأطر للنقاش بين دول حوض النيل، لضمان تنمية إقليمية مستدامة”.

“لا يضران دولتي المصب”
رأى الصحافي الجنوب سوداني جاك بول، أن برلمان بلاده وافق في يوليو (تموز) الماضي على اتفاقية “عنتيبي” بعد 12 عاماً من التردد والانتظار، ولذلك فإن “إنشاء مشاريع مائية على أراضي الدولة بشكل أحادي أو بالتعاون مع دول أخرى أصبح حقاً سيادياً لجوبا”.
يشير بول أنه رغم توقيع حكومة جوبا على الاتفاقية منذ أكثر من عشر سنوات، إلا أنها تأخرت في التصديق عليها من قبل الهيئة التشريعية في البلاد، وذلك حفاظاً على العلاقات التاريخية التي تربطها بدولتي المصب. وقد سعت الحكومة إلى تحقيق التوافق بين دول حوض النيل، وعملت بالتنسيق مع القاهرة على بناء سدود صغيرة في عدة مناطق، منها منطقة “واو” في الحدود المشتركة مع السودان، بما لا يؤثر سلباً على المصالح المائية لمصر والسودان.
يشير الصحافي الجنوب سوداني إلى أن سدي “نيمور-ليمور” المزمع البدء في إنشائهما بالتعاون مع أوغندا بتكلفة تقارب 100 مليون دولار، لن يؤثرا سلبًا على دولتي المنبع، خصوصًا أن سعتيهما التخزينية ليست كبيرة. بالإضافة إلى أن كمبالا وجوبا لا تسعيان لتحقيق أي أهداف سياسية من وراء بناء السدين، وهما تتمتعان بعلاقات جيدة مع عاصمتي دول المصب. لذلك، من المرجح أن تتعاون الدولتان في تحديد فترات التخزين بحيث تتناسب مع القاهرة والخرطوم.
يدلل جاك على ذلك بأن بلاده كانت السبب الرئيسي في عدم دخول اتفاقية “عنتيبي” حيز التنفيذ لأكثر من 12 عاماً، لأن المادة (43) من الاتفاقية تنص على أنها تُفعل بعد 60 يوماً من إيداع سادس دولة مصادقتها لدى الاتحاد الأفريقي. وبما أن الدول الخمس (إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي) قد صادقت على الاتفاقية، فإن مصادقة جنوب السودان كانت ضرورية لتفعيلها ودخولها حيز النفاذ. ومع ذلك، تأخرت جوبا في المصادقة عليها منذ عام 2012، مما يدل على تفضيلها للحوار والمصالح المشتركة بين دول المنبع والمصب.
لذا، من غير المحتمل أن تؤثر جوبا سلبًا على مصالح كل من القاهرة والخرطوم.

تكريس واقع جديد
من جانبه، أشار المتخصص المصري في العلاقات الدولية محمد السيد علي إلى أن سدي جنوب السودان وأوغندا لا يسببان أي أضرار لمصالح مصر المائية، بسبب ضعف سعاتهما التخزينية. ومع ذلك، فإنهما على الصعيدين السياسي والرمزي يضعفان الموقف المصري الذي يطالب بالحفاظ على الاتفاقيات التاريخية المتعلقة بحصص النيل، وخاصة اتفاقية عام 1902 التي تحظر إنشاء مشاريع في دول المنبع قد تؤثر على مياه النيل، بالإضافة إلى اتفاقية عام 1929 التي تنص على عدم اتخاذ أي إجراء يتعلق بالنيل وفروعه يقلل من حصة مصر دون التوصل إلى اتفاق مسبق معها.
يشير السيد إلى أن إنشاء أي مشاريع على روافد النيل، مثل المشروع الأوغندي-الجنوبي السوداني، يمثل سوابق عملية تضاف إلى مشروع سد النهضة الإثيوبي، مما يعزز حدوث انتهاكات قانونية للاتفاقات التاريخية المعتمدة.
يقول المتخصص المصري إن موقف القاهرة فيما يتعلق بمياه النيل يعتمد على حكم صادر من محكمة العدل الدولية عام 1989، والذي ينص على أن اتفاقيات المياه تتمتع بنفس الحصانة القانونية التي تتمتع بها اتفاقيات الحدود، مما يعني أنه لا يمكن تعديلها.
يعتقد السيد أن اتفاقية “عنتيبي” تُعتبر تعدياً على حقنا فيما يتعلق بالحكم الصادر من أبرز محكمة دولية متخصصة في المنازعات. كما أن الإعلان عن مشاريع سدود جديدة في دول المنبع دون التشاور مع مصر يُعد تجاوزاً يرسخ واقعاً جديداً، مما يؤثر سلباً على الموقف المصري والسوداني المرتكز على قدسية الاتفاقات التاريخية وحمايتها القانونية.

في ردّه على المعلومات التي نشرتها المواقع الأوغندية حول عدم تأثير السدين على المصالح المصرية، يقول السيد: “إذا اتفقنا على هذا المبدأ، فلماذا لم تتعاون الدولتان مع القاهرة؟ حتى لا يبدو الأمر وكأنه وسيلة لتجاهل الالتزامات الناتجة عن الاتفاقيات التاريخية وحكم محكمة العدل الدولية؟”، ويضيف: “في رأيي، هناك نوع من التعمّد في الإعلان عن هذه المشاريع الأحادية والثنائية في منابع وروافد النيل، بهدف تكريس هذا المبدأ وتثبيت النتائج التي أفرزتها اتفاقية ‘عنتيبي’، لأن الهدف الأساسي هو إلغاء الالتزامات القانونية تجاه الاتفاقيات التاريخية التي تنظم توزيع مياه النيل.”
جريدة اندبندنت البريطانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!