عثمان ميرغني يكتب : الفصل بين السلطة .. والحكم
السودان المستقل، دولة تجاوز عمرها السبعين عامًا، عاشت خلالها فتراتٍ قليلة من النجاح وسط سلسلة طويلة من الإخفاقات. حان الوقت للبحث عن نظام سياسي يحقق الاستقرار المنشود، فالوصفات القديمة جُربت مرارًا ولم يعد من الحكمة تكرارها.
خلال سبعين عامًا من الاستقلال، عاش السودان حوالي 12 عامًا تحت حكم حزبي تعددي، و3 أعوام تحت حكم مشترك عسكري-مدني، بينما سيطرت الأنظمة العسكرية الناتجة عن الانقلابات على 55 عامًا. طالت فترات الحكم العسكري بفضل تماسكها وقدرتها على فرض السيطرة، بينما قصرت فترات الحكم الحزبي بسبب ضعف بنيان الدولة، هشاشة الأمن، وسهولة الانقضاض عليها.
لو ركزت الأحزاب على تقوية مؤسسات الدولة، لربما جنّبت السودانيين كثيرًا من الانقلابات العسكرية. ففي الفترة الانتقالية الأخيرة، ساهم الجشع السياسي ومحاولات الاستحواذ في إضعاف مؤسسات الدولة الجوهرية، خاصة البرلمان ومؤسسات العدالة. وبدلاً من تعزيز الأجهزة الأمنية، لجأت الحكومة إلى معاداتها، بحل هيئة العمليات وإضعاف جهاز المخابرات وتحويله إلى جهاز معلومات غير قادر على الحركة أو فرض الأمن.
من الحكمة البحث عن نظام يجمع بين القوة والرشد، وبين المقبولية الداخلية والخارجية، وبين صرامة دولة القانون وعدالة قانون الدولة.
في مغرب يوم الإثنين 4 يوليو 2022، وبدون سابق إنذار، قطع تلفزيون وإذاعة أم درمان برامجهما ليذيعا بيانًا مقتضبًا من الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، تضمن أربع نقاط:
1خروج الجيش من المشاورات التي تجريها الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، منظمة الإيقاد) مع القوى السياسية.
2تشكيل حكومة مدنية كاملة تتولى إدارة البلاد.
3حل مجلس السيادة.
4تكوين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على أن تُحدد اختصاصاته بالتشاور مع الحكومة الجديدة.
كان من المتوقع أن تستغل القوى السياسية هذه الفرصة لتشكيل حكومة قبل شروق شمس اليوم التالي، وتتوجه بها إلى القصر الجمهوري لاستكمال الإجراءات التي حددها البيان. لكن بدلاً من ذلك، أطلقت القوى السياسية حملات تشكيك، واصفةً الخطوة بأنها “التفاف على مطالب الشعب”. ولتبرير هذا الاتهام، زعمت أن الجيش سيأخذ معه إلى القيادة العامة وزارة الخارجية وبنك السودان، دون توضيح كيفية ذلك.
ضاعت بذلك فرصة تاريخية كان يمكن أن تغير وجه التاريخ الكئيب للسودان. والآن، من الحكمة إعادة النظر في هذا النموذج بموضوعية أكبر، وإيجاد معادلة تضمن مشاركة القوات المسلحة دستوريًا في منظومة الحكم لتحقيق “القوة” التي افتقرت إليها الحكومات الحزبية، بينما تتولى المكونات السياسية تشكيل الحكومة، البرلمان، ومؤسسات العدالة، وتبدأ في بناء هياكل دولة قوية ومستقرة.
يعهد للقوات المسلحة حماية الدولة والدستور و النظام.. وتتولى الأحزاب الحكم بديموقراطية تناسب بلادنا ( أوضحت ذلك في كتابي الديموقراطية السودانية).
استقرار البلاد خطوة حتمية لتغيير الواقع و تحقيق تنمية ونهضة يستحقها أهل السودان.
التيار