إسحق أحمد فضل الله يكتب:(اعتراف العجوز)
متابعة:الرؤية نيوز
أستاذ عبد الباسط،
تسأل إسحق عن إسحق؟؟
خذ…
إسحق مرتاح لأنه بعد ستين سنة من البحث يجد أن الأمر كله هو:
…..
في المجتمع لغة العاجزين هي الأقوى.
والشباب الجالسين على الشاطئ في قرية سودانية يفاجَأون بفتاة في قميص طويل تعبرهم متجهة إلى النهر.. ودهشوا.
والفتاة تغمس سيقانها في الماء، ثم تظل تتوغل في النهر حتى يغوص رأسها.
والرجال تحت الدهشة ظلوا صامتين.
واختفاء الفتاة تحت الماء يطول… دقيقتان… ثلاث… خمس… والفتاة لا تطفو.
لم يكن أحد يعلم أنها كانت قد ربطت وزناً من الأحجار تحت ثيابها في إصرار مؤلم على الانتحار أمام عيون الرجال بالذات.
الاحتجاج على العنوسة يبلغ هذا… ويدمر الدنيا والآخرة.
ولا أحد يخطر له أنه (لا دولة… مع العنوسة).
وعبقرية علي دينار كانت تجعله يطوف القرى ويجمع الشباب صفاً والنساء صفاً، ويسأل كل فتاة: إنتِ بتدوري منو في الأولاد؟
والفتاة تحدد، ثم… إما أن يتم العقد، وإما أن يقدّم الشاب ثوباً للفتاة.
وفي الإنقاذ كان الزواج الجماعي… لأن الدولة تقوم على النظافة والفطرة.
وفي تركيا كان التقليد هو: كل من بلغ العشرين ولا زوجة له إما أن يُسجن، وإما أن يقدّم تكلفة الزواج لمن يريد الزواج والفقر يمنعه.
وقبل سنوات كان إسحق فضل الله يقول: إن حرب العنوسة تكسبها الدولة حين تتخلى كل فتاة عاملة عن وظيفتها لشاب يتزوجها.
عندها: هي تكسب… وهو يكسب… والدولة تكسب.
الآن الدولة بها ملايين العطالى والعوانس.
والجريمة، وجيل من الأنغال (بالغين) سحابتان تقتربان.
وإسحق يا أستاذ عطا ما في داخله هو الهم والغم لما يراه.
(2)
وأنت تطلب اعترافات… وتسميها أنت “حياة إسحق”.
وإسحق واحد من جيل قرأ أدب، وقلة أدب الاعترافات.
وجيلنا كان يتلقى اعترافات كتاب مثل بن جونسون، وسيمون دي بوفوار، وسان سيمون… وكلها ما فيها هو أن كل واحد من كتاب الاعترافات كان يخلع ملابسه ويقف أمام المرايا ويكتب لنا… ونحن ننبهر… وعروقنا تتسقسق بالعفن هذا إلى درجة أننا نجعله هو القانون الرسوخ.
وإلى درجة أنه لما كتب العقاد “عبقرية أبي بكر، عبقرية عمر، عبقرية علي”، كان بعض النقاد يعيب على العقاد أنه لم يكتب عن مباذل وسقطات هؤلاء.
وإسحق… يا أستاذ، يحمل في صدره صورة الاعترافات هذه. لكن إسحق يحمل في صدره اعترافات أبي حامد الغزالي… ويا للروعة.
وإسحق لا هو يستن في قصة حياته بالكاتب بوزيل ودمامله، ثم إن إسحق يخشى أن يقتله خريف الإمام الغزالي… والخريف الماطر يقتل (الرازة) ويحيي الشابة.
(3)
وبعض ما نحمله تحت الضلوع هو الصورة التي رسمها العلم الحديث للوجود.
الصورة التي تلبس المرقعة وتضرب النوبة وتصرخ من الوجد بأنه:
حيّ قيوم… حيّ قيوم.
فالعلم يجد أن الهيكل العظمي لكل مخلوق حي… وكل مخلوق حي: الحيوانات، والطيور، والزواحف، و… و… كلها لها هيكل عظمي واحد تصنعه معادلة واحدة. وما يختلف فيه كل هيكل هو أنه يُحرَّف… مجرد تحريف… ليناسب بيئة المخلوق الذي يحله.
وأحمد زكي صاحب مجلة العربي يكتب عن هذا بعنوان:
(وحدة الله تتجلى في وحدة خلقه).
والعلم الحديث يجد أن كل النباتات، ودوران المجرات، والتواء قرون الكبش، ورصف حبوب زهرة الشمس، وموقع كل ورقة في كل غصن… كلها تقوم على معادلة واحدة.
وافتح الكمبيوتر، واكتب (معادلة فيبوناتشي)، واقرأ لتصرخ أنت من الروعة.
الوجود كله يقوم على معادلة واحدة.
وتجد أن الأحداث التي هي شيء اختلاطه مثل اختلاط كومة من الحصى تخمشها كف وتسوطها… هي شيء يخضع للمعادلة هذه.
وفي ضواحي علم الفلك يقصون أن عالماً كان يرصد كوكب عطارد، الذي كان يظهر في كل ليلة ولا يتأخر.
لكن العالم الذي يتابعه يفاجأ بأن الكوكب هذا يتأخر… ثم يتأخر.
والرجل يحسب ويقرر أن سبب التأخير لابد أن يكون ظهور كوكب مجهول… وأن الكوكب هذا لابد أن يكون موقعه هو مكان كذا… وأن حجمه هو كذا.
والرجل يوجه منظاره إلى الموقع المفترض… ويكتشف كوكب بلوتو.
وإسحق ما يحمله تحت ضلوعه هو: أن كل شيء محسوب… محسوب.
(4)
لكن المواجع… لكن المواجع…
ونجد أغرب كتاب عن التاريخ العربي الذي يستخدم الإسلام خادماً للنفس المتعفنة.
كتاب يجمعه الشالجي، واسمه (موسوعة العذاب).
والكتاب الذي لا ينتهي طولاً يكشف أن الاغتيال، والانحطاط، والقسوة، والغدر… هواية عربية، وصفات عربية، وميزة عربية.
ويوثقونها… ومنها:
أن سادة ممن بقي من الدولة الأموية بعد مجازر العباسيين كانوا جلوساً يوماً عند الخليفة العباسي في رواقة.
ويدخل الشاعر التعس لينشد الخليفة ويذكره بأيام العداء.
والخليفة يهتاج ويأمر الحرس بقتلهم (قتلهم بالكافركوبات)، وهي العكاكيز.
وبعد هرسهم يبسط الخليفة عليهم البساط ويجلس على البساط هذا ويطلب الغداء ويأكل… وأن بعض المطحونين يئن تحت البساط.
مؤلم هذا؟
لا… فالخليفة بعدها يقول عن غدائه:
“ما أكلت أكلة أهنأ منها”.
وابن خلدون يقول:
العرب دون إسلام… همج لا قيمة لهم.
وانظر حولك الآن… أستاذ.
إسحق سيرته هي أنه يحمل تحت ضلوعه هذا.
وااااااه…
ألا موت يُباع فأشتريه
فهذا العيش ما لا خير فيه
وصرت إذا أمر بجنب قبر
وددت لو أنني فيما يليه
إسحق أحمد فضل الله