خبيران سودانيان يوثّقان مخاطر سد النهضة امام هشاشة الخرطوم ويدعون لاتفاق قانوني ملزم
اخبار السودان
اخبار السودان » السودان عاجل » خبيران سودانيان يوثّقان مخاطر سد النهضة امام هشاشة الخرطوم ويدعون لاتفاق قانوني ملزم
السودان الان • السودان عاجل
خبيران سودانيان يوثّقان مخاطر سد النهضة امام هشاشة الخرطوم ويدعون لاتفاق قانوني ملزم
تم النشر منذُ 7 ثوانياضف تعليقاًمصدر الخبر / موقع التغيير
مصدر الخبر / موقع التغيير
في صيف عام 2020، حين توقفت صنابير المياه فجأة عن ملايين المنازل في العاصمة السودانية الخرطوم، لم يكن الأمر مجرد انقطاع مؤقت في الخدمة، بل لحظة مفصلية كشفت كيف يمكن لتحولات فنية وسياسية في المنبع أن تتحول بسرعة إلى أزمة إنسانية في المصب. هذه الواقعة، التي وثّقتها لاحقًا دراسات وتحليلات متخصصة، أعادت تسليط الضوء على هشاشة الوضع المائي في السودان في ظل استمرار أزمة سد النهضة الإثيوبي.
دراسة سودانية جديدة تواكب افتتاح السد وتستعرض مسار التفاوض
بالتزامن مع افتتاح السد الأكبر في أفريقيا لتوليد الطاقة الكهرومائية، نشر وزيرا الري والموارد المائية السودانيان السابقان، ياسر عباس محمد وسيف الدين حمد عبد الله، ورقة بحثية في مجلة Water International في سبتمبر 2025، بعنوان “المفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي (GERD): وجهة نظر سودانية”. الدراسة لا تمثل موقفًا رسميًا للحكومة السودانية، لكنها تعكس رؤى شخصية لخبيرين شاركا بعمق في مسار التفاوض، وتقدمان شهادة تحليلية مهمة حول المخاطر والفرص المرتبطة بالسد.
السودان بين فرص التعاون ومخاطر التوتر الإقليمي
تتناول الورقة موقف السودان من مفاوضات سد النهضة، مع التركيز على البعد الجيوسياسي والتاريخي للنزاع. ورغم أن السد يحمل إمكانات للتعاون بين إثيوبيا والسودان ومصر، إلا أنه تحول إلى مصدر للتوتر السياسي والإقليمي. ويرى الكاتبان أن جذور النزاع تتجاوز الجوانب الفنية، وترتبط بتوترات سياسية وتاريخية متجذرة، ما يستدعي تعاونًا إقليميًا أوسع يشمل الغذاء والطاقة والتكامل الاقتصادي، وليس فقط تقاسم المياه.
هشاشة السودان الجغرافية والتقنية أمام تشغيل السد
تشير الورقة إلى أن السودان هو الطرف الأكثر هشاشة بين الدول الثلاث، نظرًا لقربه الجغرافي من السد وارتباط تشغيله المباشر بسلامة سد الروصيرص. وتوضح أن الحديث عن سلامة هذا الأخير ليس مجرد مسألة فنية، بل قضية وجودية لمدن ومجتمعات تعتمد على نظم الري والمياه الجوفية والسطحية في النيل الأزرق. وتوثق الدراسة تذبذبات هيدرولوجية شهدها السودان خلال الملء الأحادي الأول في عام 2020، والتي أدت إلى تقلبات في الإمدادات المحلية وانقطاع مياه الشرب عن الخرطوم، ما عزز المخاوف من أن أي تشغيل غير منسق قد يؤدي إلى فيضانات أو تفاقم حالات الجفاف.
تشغيل السد بين تقليل الفيضانات وزيادة مخاطر الجفاف
تحلل الورقة آثار التشغيل العادي لسد النهضة بعد الملء الأول، وتعرض جانبين متقابلين لتأثيره على دول المصب. فمن جهة، قد يسهم السد في تقليل تذبذب الفيضانات والحد من رواسب الطمي في الخزانات السودانية، ما يطيل عمر البنى التحتية ويخفض تكاليف الصيانة، كما يمكن أن يعزز إنتاجية محطات الكهرباء السودانية في مواسم معينة. ومن جهة أخرى، يحمل التشغيل خطر تقليل التدفقات في سنوات الجفاف، ويزيد من المخاطر إذا غاب إطار قانوني لتبادل البيانات الفورية حول المناسيب والتصرفات اليومية.
مصر وإثيوبيا بين الحقوق التاريخية والسيادة التنموية
ترى الورقة أن مصر تعتبر تراجع حصتها التاريخية من مياه النيل، خصوصًا في سنوات الجفاف، تهديدًا مباشرًا لتشغيل السد العالي، بينما تتمسك إثيوبيا بحقها السيادي الكامل على سد النهضة وتعتبره مشروعًا تنمويًا لا يخضع لأي قيود دولية، وهو ما يفسر انسحابها من توقيع اتفاق واشنطن في فبراير 2020. هذا التباين في المواقف يعكس عمق الخلافات بين الأطراف الثلاثة ويعقّد فرص التوصل إلى اتفاق شامل.
محطات التفاوض المتعثرة منذ إعلان المشروع وحتى انسحاب إثيوبيا
تستعرض الورقة مسار التفاوض منذ الإعلان عن المشروع في 2011، مرورًا بمراجعات خبراء دوليين في 2013، ثم إعلان المبادئ في 2015 الذي شكل نقطة تحول دبلوماسية، لكنه ظل موضع خلاف في تفسير بنوده. وتوثق الدراسة تشكيل لجان فنية ومحاولات وساطة إقليمية ودولية بين 2019 و2020، بما في ذلك جولات تفاوضية في واشنطن برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، والتي أفضت إلى توافق حول معظم القضايا الفنية، لكن الخلافات استمرت بشأن قواعد الملء في حالات الجفاف والالتزام القانوني للاتفاق، ما أدى إلى انسحاب إثيوبيا من التوقيع النهائي، بينما وقعت مصر بالأحرف الأولى ورفضت الخرطوم التوقيع.
مبادرات سودانية ومحاولات إقليمية لإعادة إطلاق المفاوضات
في يونيو 2020، قدم السودان مبادرة جديدة لإعادة إطلاق المفاوضات، جمعت مصر وإثيوبيا مجددًا، وقاد الاتحاد الأفريقي بعدها جولات تفاوض بمشاركة مراقبين دوليين. ورغم التقدم الملحوظ، لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بسبب تمسك إثيوبيا بمواقفها وطرحها لقضية تقاسم المياه. وفي السياق الدولي، عُرض ملف السد على مجلس الأمن لأول مرة في 2020، الذي اعتبره تهديدًا للأمن الإقليمي، لكنه شدد على ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي.
استمرار الخلافات رغم الوساطات الدولية وتعدد المبادرات
استمرت المحادثات بين 2021 و2022 برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، مع ظهور مبادرات من الإمارات وجهات دولية أخرى، لكن مع اقتراب عام 2024، لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل، وظلت الخلافات قائمة، خصوصًا بشأن قواعد الملء أثناء الجفاف والتنسيق مع السد العالي في مصر. وتشير الورقة إلى أن السودان لعب دورًا محوريًا في مراحل عدة من المفاوضات، لكنه يظل الطرف الأكثر تأثرًا بالتطورات الإقليمية.
المعطيات التقنية للسد وتداعياتها على دول المصب
توضح الورقة أن سد النهضة يقع على النيل الأزرق قرب الحدود السودانية، ويبلغ حجمه التخزيني نحو 74 مليار متر مكعب. بدأ بناؤه في 2011، وبدأت إثيوبيا عمليات الملء الأولى في 2020، وصولًا إلى منسوب 638.5 متر في 2024. ويتوقع أن يحقق السد قدرة كبيرة على توليد الكهرباء لصالح إثيوبيا، ما يعكس طموحاتها التنموية في قطاع الطاقة. وتستخدم الورقة هذه المعطيات التقنية لفهم انعكاسات السد على السودان، وتؤكد أن العقبات أمام التوصل إلى اتفاق نهائي ليست تقنية فقط، بل سياسية وقانونية وإجرائية.
غياب الثقة وتباين المواقف الاستراتيجية يعقّدان الوصول إلى اتفاق
بحسب تحليل الكاتبين، فإن غياب الثقة المتبادل بين الدول الثلاث، وغياب إطار قانوني ملزم لتبادل المعلومات وإدارة الطوارئ، وتباينات تفسير إعلان المبادئ، كلها عوامل تعرقل الوصول إلى اتفاق قابل للتطبيق. كما أن اختلاف المواقف الاستراتيجية، حيث تسعى مصر للحفاظ على مصالحها التاريخية، وتتمسك إثيوبيا بسيادتها التنموية، بينما يحاول السودان تحقيق توازن يضمن سلامة منشآته ومصالح مجتمعاته، يجعل من الاتفاق مهمة عسيرة ما لم تُحكّم آليات الضمان والحوكمة.
تأثير الاضطرابات الداخلية على مرونة المفاوضات الإقليمية
تلفت الورقة إلى أن الاضطرابات السياسية الداخلية في دول الحوض تؤثر مباشرة على مرونة المفاوضين وقدرتهم على المساومة، ما ينعكس على مستوى التسوية الممكنة في أديس أبابا أو الخرطوم أو القاهرة. وتدعو الورقة إلى نقل النقاش من إطار الخوف والتوتر إلى إطار الفرصة المشتركة، عبر توسيع الحوار ليشمل الطاقة والتكامل الاقتصادي والزراعة والأمن الغذائي، وليس فقط المياه.
رؤية للتعاون الإقليمي المشترك وتخفيف ضغوط التقاسم
تؤكد الورقة أن إدارة السد ضمن منظومة متكاملة يمكن أن تحقق منافع اقتصادية مشتركة، وتزيد من مرونة الاستفادة من مياه الحوض، وتخفف ضغوط التقاسم. وتدعو إلى آليات ملزمة لتبادل البيانات والإنذارات المبكرة، واتفاقات قانونية واضحة تتناول حالات الجفاف والطوارئ، إضافة إلى مبادرات ربط كهربائي وتجارية قد تحول فوائد السد إلى حوافز للتعاون بدلًا من أدوات للتوتر.
أزمة سد النهضة بين التقنية والسياسة والحاجة إلى ضمانات تشغيلية
تخلص الورقة إلى أن أزمة سد النهضة تجمع بين بعدين متداخلين؛ فني تقني وسياسي قانوني، وتشدد على أن معالجة الملف لا يمكن أن تنجح دون تعزيز المؤسسات الوطنية في السودان وتحصينها، كما لا يمكن أن تنجح دعوات الحوار بين دول المنبع والمصب دون حزمة من الضمانات القانونية والتشغيلية التي