الرؤية نيوز

البدوي يرد على ميرغني في جدل اقتصادي حول مرجعية ما قبل الحرب في السودان

0 3

متابعة:الرؤية نيوز
في معرض ردّه على مقال صحفي تناول تقديراته بشأن مستقبل الاقتصاد السوداني، قدّم وزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي توضيحًا موسعًا حول رؤيته لمسار التعافي الاقتصادي بعد الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023. البدوي كان قد صرّح في مقابلة مع راديو دبنقا أن السودان سيحتاج إلى نحو 11 عامًا من النمو المتواصل لاستعادة حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي كان قائمًا قبل اندلاع الحرب. هذا التقدير أثار تحفظات من الكاتب الصحفي عثمان ميرغني، الذي اعتبر أن المنهج المستخدم في التقييم لا ينسجم مع خصوصية الحالة السودانية، مشيرًا إلى أن السودان لم يكن يمتلك مؤسسات مكتملة أو اقتصادًا مستقرًا يمكن اعتباره مرجعية صالحة للمقارنة.
ميرغني، في مقاله، رفض فكرة العودة إلى ما أسماه “خط الصفر المرجعي” الذي اعتمده البدوي، معتبرًا أن السودان حتى في أفضل حالاته لم يكن يمتلك بنية اقتصادية مؤهلة لتكون أساسًا لإعادة البناء. وبدلاً من ذلك، دعا إلى اعتماد “خط صفر جديد” ينطلق من الإمكانات الحالية والمحتملة للسودان، بما في ذلك موارده البشرية والمادية وموقعه الجيوسياسي، لبناء دولة حديثة من الأساس، لا لإعادة إعمار ما لم يكن موجودًا فعليًا. هذا الطرح، بحسب ميرغني، يتطلب تجاوز القياسات التقليدية والانطلاق من رؤية تنموية مبتكرة تتجاوز الماضي بكل تعقيداته.
في رده، عبّر البدوي عن تقديره لتعقيب ميرغني، لكنه شدد على أن أي مشروع وطني لا يمكن أن يتجاهل نقطة الانطلاق الحقيقية التي فرضتها الحرب، بوصفها كارثة وطنية غير مسبوقة. وأكد أن آثار هذه الحرب ستظل حاضرة لسنوات طويلة، وربما لأجيال، إذا لم يتم تجاوز الانقسامات السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة قبل اندلاعها. البدوي أشار إلى أن تجاوز آثار الحرب يتطلب الاعتراف بحجم الكارثة أولًا، ثم صياغة مشروع نهضوي يستند إلى عقد اجتماعي–اقتصادي جديد، يضع أسسًا واقعية للتعافي والتنمية.
استند البدوي في تقديراته إلى ما يُعرف بـ”قانون السبعين”، وهو قاعدة رياضية تحدد عدد السنوات اللازمة لمضاعفة أي قيمة اقتصادية بناءً على معدل النمو السنوي. وشرح أن هذه المعادلة ليست افتراضًا بل حقيقة رياضية، حيث أن معدل نمو سنوي بنسبة 2% يتطلب 35 عامًا لمضاعفة الناتج المحلي، بينما معدل 10% يحتاج إلى سبع سنوات فقط. وأوضح أن هذه القاعدة تُستخدم عالميًا لتقدير فترات التعافي الاقتصادي، وهي تنطبق على السودان كما تنطبق على أي دولة أخرى، ما يجعلها أداة محايدة لتقييم المستقبل الاقتصادي.
في تحليله لحجم الضرر الاقتصادي، أشار البدوي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للسودان بلغ نحو 51.67 مليار دولار في عام 2022، بينما بلغ دخل الفرد حوالي 1,046 دولارًا، ما صنّف البلاد ضمن الدول منخفضة الدخل. وبحسب تقديرات منظمات دولية، فقد السودان ما بين 40 إلى 50% من ناتجه المحلي بسبب الحرب، ليصبح حجمه الحالي بين 25 و30 مليار دولار. واعتبر البدوي أن هذا الانهيار غير مسبوق، نظرًا لطبيعة الحرب التي اندلعت في قلب العاصمة ومراكز الثقل الاقتصادي، على عكس الحروب الأهلية التقليدية التي غالبًا ما تتركز في الأطراف الريفية.

لإضفاء مزيد من الواقعية على تقديراته، استعرض البدوي تجارب دول خرجت من حروب أهلية وتمكنت من تحقيق معدلات نمو مرتفعة، مثل رواندا، فيتنام، كمبوديا، إثيوبيا، وموزمبيق. وأشار إلى أن هذه الدول استطاعت تحقيق نمو سنوي تراوح بين 7% و12% بفضل مشاريع تنموية شاملة وإجماع سياسي على أهمية “الشرعية الاقتصادية”. كما استشهد بتجربة السودان بعد اتفاقية أديس أبابا عام 1972، حيث بلغ معدل النمو نحو 10% سنويًا خلال عقد كامل، قبل أن تعود الحرب الأهلية مجددًا وتوقف المسار التنموي.
بناءً على قانون السبعين وتجارب الدول الأخرى، خلص البدوي إلى أن السودان سيحتاج إلى نحو سبع سنوات من النمو بمعدل 10% سنويًا لاستعادة حجم الاقتصاد كما كان قبل الحرب. أما إذا كان النمو أكثر واقعية بمعدل 7%، فإن فترة التعافي ستمتد إلى عشر سنوات. وأكد أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تحالفًا سياسيًا–اقتصاديًا واسعًا يلتزم بمفهوم “الشرعية الاقتصادية”، ويعمل على إعادة بناء البنية التحتية وتشغيل سلاسل الإمداد والقيمة. وفي حال تحقق هذا السيناريو، يمكن أن يتضاعف حجم الاقتصاد السوداني ثماني مرات خلال ثلاثة عقود، ليصل إلى 240 مليار دولار، ما سيمنح البلاد مكانة اقتصادية جديدة تستحقها.
اختتم البدوي رده بالتأكيد على أن تجاوز الأزمة الراهنة لا يمكن أن يتم بالقفز فوق آثار الحرب، بل بالاعتراف بها وتوظيفها كمنطلق لصياغة مشروع وطني نهضوي. هذا المشروع، بحسب رؤيته، يجب أن يستند إلى عقد اجتماعي–سياسي–اقتصادي مزدوج، يضع أسسًا جديدة لبناء الدولة، ويستفيد من مقدرات السودان المتنوعة، ويؤسس لنمو مستدام يعيد للسودان مكانته الإقليمية والدولية. وشدد على أن الطريق إلى التعافي طويل، لكنه ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية والرؤية التنموية الشاملة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.