الرؤية نيوز

زيارتان متزامنتان للبرهان وحمدوك إلى القاهرة ..تقارب سياسي أم مفاوضات غير معلنة؟

0 0

متابعة:الرؤية نيوز
في تطور سياسي لافت، كشفت مصادر مطلعة عن وصول رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك، رئيس تحالف “صمود”، إلى العاصمة المصرية القاهرة، في زيارة تزامنت مع وصول رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، الذي حل ضيفًا على مصر بدعوة رسمية من الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتأتي هذه التحركات في إطار جهود إقليمية ودولية متسارعة تهدف إلى إنهاء النزاع المستمر في السودان، وسط تنسيق متقدم بين القوى الفاعلة في المنطقة. اللقاءات المرتقبة بين الأطراف السودانية في القاهرة تفتح الباب أمام احتمالات جديدة لمسار التسوية السياسية، في ظل تصاعد الضغوط الدولية لإنهاء الحرب التي دخلت عامها الثالث.

دعم رباعي
خلال لقاء رسمي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالفريق أول عبد الفتاح البرهان في قصر الاتحادية، شدد الجانبان على أهمية الآلية الرباعية كإطار تنسيقي رئيسي لدفع جهود وقف العمليات القتالية وتحقيق الاستقرار في السودان. الآلية، التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، من المقرر أن تعقد اجتماعًا حاسمًا في واشنطن خلال أكتوبر الجاري، وسط آمال بأن يسفر عن نتائج ملموسة تدفع نحو وقف إطلاق النار وبدء مسار سياسي شامل. وأكد الطرفان خلال اللقاء على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، ورفض أي محاولات لإنشاء كيانات موازية للحكومة الشرعية.

بيان مثير
الآلية الرباعية كانت قد أصدرت بيانًا دعت فيه إلى هدنة تمتد لثلاثة أشهر، يعقبها مسار سياسي يستمر لتسعة أشهر، مع دعوة الأطراف السودانية، بما في ذلك القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، إلى الانخراط في حوار مباشر. كما تضمن البيان دعوة صريحة لاستبعاد أي دور للمجموعات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في صياغة مستقبل السودان. إلا أن الحكومة السودانية رفضت البيان، معتبرة أنه لا يعكس الواقع الميداني ولا يراعي التوازنات السياسية الداخلية، ما يعكس تعقيدات المشهد السياسي السوداني وتباين المواقف بين الأطراف المحلية والدولية.

لقاءات القاهرة
زيارة البرهان إلى القاهرة، التي استغرقت يومًا واحدًا، شهدت مباحثات موسعة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بحضور وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني السفير محيي الدين سالم أحمد، ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل. اللقاءات جاءت بعد أيام من اجتماع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس المصري، ناقشا خلاله تطورات الملف السوداني ضمن أجندة إقليمية أوسع. في المقابل، كشفت مجلة “أفريكا إنتليجنس” عن لقاء مرتقب بين البرهان وعبدالله حمدوك في القاهرة، إلى جانب مفاوضات غير مباشرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تهدف إلى صياغة بيان مبادئ تمهيدًا لاتفاق سياسي أوسع.

تنسيق أمريكي
تزامنت زيارة البرهان وحمدوك إلى القاهرة مع وجود مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس وعدد من المسؤولين الأمريكيين في مدينة شرم الشيخ، ما يعزز التوقعات بأن تشهد الزيارة مباحثات مكثفة حول الأوضاع في السودان والتنسيق الإقليمي بشأن جهود وقف الحرب. وبحسب مصادر دبلوماسية، منحت الولايات المتحدة مصر دورًا محوريًا في عملية السلام، مستندة إلى علاقاتها الوثيقة بالجيش السوداني والقوى المدنية بقيادة حمدوك. وأكد بولس في تصريحات لقناة الشرق أن واشنطن نجحت في إيصال مساعدات إنسانية إلى مناطق قريبة من الفاشر، مشيرًا إلى أن السودان يواجه واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم.

إعادة حمدوك
وفقًا لمصادر دبلوماسية، تخطط واشنطن لإعادة عبدالله حمدوك إلى منصب رئيس الوزراء، في إطار مقاربة جديدة تهدف إلى ضبط التوازن بين القوى السياسية السودانية. ويُنظر إلى حمدوك باعتباره شخصية مقبولة من قبل تحالف “تأسيس” بقيادة الدعم السريع، ويحظى بدعم إماراتي، ولا يواجه معارضة من رئيس مجلس السيادة السوداني. وتراهن الإدارة الأمريكية على هذه المعادلة لإعادة تشكيل المشهد السياسي السوداني، مع التركيز على إبعاد الجيش عن الدوائر الإسلامية التي تتهمها واشنطن وأبوظبي بأنها لا تزال مؤثرة في قرارات القيادة العسكرية، رغم إقصاء عدد من الضباط الإسلاميين عبر قرارات التقاعد.

مؤشرات تقارب
أظهرت تحركات البرهان الأخيرة مؤشرات على تقارب مع المطالب الأمريكية، أبرزها إعلان التزامه باتفاقيات إبراهام التي وقعها السودان مع إسرائيل في عام 2021، والتي تنظم تطبيع العلاقات بين عدد من الدول العربية والدولة العبرية. هذا الالتزام يُنظر إليه كخطوة تهدف إلى طمأنة واشنطن وتبديد المخاوف من ارتباط الجيش السوداني بإيران وحماس، وهي مخاوف سبق أن عبّرت عنها الإمارات في سياقات متعددة. ويبدو أن البرهان يسعى من خلال هذه التحركات إلى تعزيز موقعه التفاوضي في ظل الضغوط المتزايدة على الأطراف السودانية.

مصالح متشابكة
في تقريرها، أشارت مجلة “أفريكا إنتليجنس” إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يواصل نهج “الصفقات المتتالية”، وهذه المرة عبر الملف السوداني، حيث يقود فريقه تحركات لترتيب مفاوضات سلام بين الفصائل السودانية المتحاربة في القاهرة. وتسعى الإدارة الأمريكية إلى استضافة جولة جديدة من المفاوضات تجمع البرهان وحمدوك، إلى جانب اتصالات غير مباشرة مع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بهدف صياغة بيان مبادئ يمهد لاتفاق شامل. بالتوازي، تستعد بعثة أمريكية من شركات تعدين خاصة لزيارة بورتسودان للقاء رئيس الوزراء كامل إدريس ووزير المعادن نور الدين طه، تمهيدًا لتوقيع اتفاق يمنح الشركات الأمريكية امتيازات واسعة في قطاع التعدين مقابل المساعدة في رفع العقوبات عن الجيش السوداني.

عقبات محتملة
ورغم الزخم الدبلوماسي، أشار التقرير إلى أن مواقف رئيس الوزراء كامل إدريس قد تشكل عقبة أمام المفاوضات، إذ يراهن على حسم عسكري لصالح الجيش، ما يتيح له طلب تمويل إماراتي لإعادة الإعمار مقابل اتفاقات اقتصادية جديدة. هذا التوجه يعكس تباينًا في الرؤى بين القوى المدنية والعسكرية، ويعزز من تعقيد المشهد السياسي. وختم التقرير بالإشارة إلى أن فرص نجاح مبادرة القاهرة لا تزال محدودة، في ظل انعدام الثقة بين الأطراف السودانية، وتعدد المصالح الإقليمية المتشابكة، ما يجعل التسوية النهائية رهينة بمدى استعداد واشنطن لاستخدام نفوذها السياسي والاقتصادي لإنهاء الصراع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.