تغريم بنك شهير 20 مليون دولار لصالح سودانيين..ما القصة؟
متابعة:الرؤية نيوز
في سابقة قضائية وحقوقية غير مسبوقة، حكمت هيئة محلفين اتحادية في مانهاتن الأميركية بتغريم بنك “بي إن بي باريبا” الفرنسي تعويضات قدرها 20 مليون دولار لثلاثة لاجئين سودانيين، بعد أن ثبتت مسؤوليته في تمكين نظام المؤتمر الوطني – الجناح السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين – من ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد سودانيين بين عامي 2002 و2008.
تمهيد الطريق لآلاف السودانيين للمطالبة بالتعويض
ويمهد هذا الحكم الطريق أمام أكثر من 20 ألف لاجئ سوداني يقيمون في الولايات المتحدة للمطالبة بتعويضات مالية ضخمة قد تصل إلى مليارات الدولارات، باعتبارهم من ضحايا الانتهاكات التي وقعت في دارفور وجبال النوبة ومناطق أخرى خلال فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير.
وأكد حقوقيون أن القرار يشكل لحظة تاريخية في مسار العدالة الدولية، إذ يُعد خطوة مهمة في تحميل المؤسسات المالية العالمية المسؤولية المدنية عن تمويل أو تسهيل الجرائم ضد الإنسانية.
تفاصيل المحاكمة ودور البنك في تمويل النظام
المحاكمة، التي استمرت خمسة أسابيع أمام هيئة محلفين أميركية، ركزت على الانتهاكات التي ارتكبها بنك بي إن بي باريبا للعقوبات الأميركية المفروضة على السودان، حيث سمح البنك لحكومة الخرطوم خلال تلك الفترة بالوصول إلى مليارات الدولارات الأميركية عبر مكتبه في جنيف رغم الحظر المالي المفروض على النظام السوداني آنذاك.
وخلصت هيئة المحلفين إلى أن الخدمات المصرفية التي قدمها البنك للنظام السوداني خلال فترة حكم البشير كانت سببًا مباشرًا وطبيعيًا للأذى الذي لحق بالضحايا الذين تعرضوا للتطهير العرقي والعنف الجماعي في دارفور.
اتهامات بتسهيل جرائم حرب وتمويل حملات التطهير العرقي
وأوضح المدعون أن بنك بي إن بي باريبا تعمد تسهيل معاملات مالية بمليارات الدولارات لصالح حكومة السودان، مما مكّنها من شراء الأسلحة وتمويل حملات التطهير العرقي والتهجير القسري والقتل الجماعي ضد المدنيين.
ويُعتبر هذا الحكم الأول من نوعه الذي يُحمّل بنكًا عالميًا مسؤولية مدنية عن تسهيل ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من خلال تعاملاته المالية.
ردود الفعل والبعد الإنساني للحكم
وفي تصريحات للمحامين الذين مثلوا اللاجئين السودانيين أمام المحكمة، وصفوا الحكم بأنه انتصار للعدالة والمساءلة، وأكدوا أن “المؤسسات المالية لا يمكن أن تغض الطرف عن عواقب أفعالها حين تسهّل جرائم بحق الإنسانية”.
وقال أحد المحامين: “خسر عملاؤنا كل شيء في حملات التدمير التي مولها بنك بي إن بي باريبا، وكان من الواجب أن يتحمل مسؤوليته القانونية والأخلاقية”.
وأضاف: “تُظهر هذه القضية أن القانون قادر على تجاوز الحدود الجغرافية لمحاسبة حتى أكبر المؤسسات المالية، بما يتماشى مع مبادئ محاكم نورمبرغ التي أرست العدالة ضد جرائم الحرب بعد الحرب العالمية الثانية”.
جذور القضية واعتراف البنك السابق
وتأتي هذه القضية بعد مرور أكثر من عقد على اعتراف بنك بي إن بي باريبا عام 2014 بانتهاكه للعقوبات الأميركية المفروضة على السودان وإيران وكوبا، حيث دفع البنك آنذاك غرامة مالية تاريخية بلغت 8.97 مليار دولار لتسوية القضايا المرفوعة ضده.
وفي سبتمبر الماضي، بدأت المحكمة الأميركية في مانهاتن النظر في دعوى رفعها لاجئون سودانيون ضد البنك، اتهموه فيها بأنه سهّل وصول نظام البشير إلى الأسواق المالية الدولية، مما أتاح له الاستفادة من عائدات النفط وشراء الأسلحة وتمويل الحملات العسكرية ضد المدنيين في دارفور وجنوب السودان.
الإخوان المسلمون في قلب الاتهامات
ووفقًا لملف القضية، فإن البنك الفرنسي تعامل ماليًا مع نظام المؤتمر الوطني المرتبط بتنظيم الإخوان المسلمين، مما وفر للنظام موارد مالية ضخمة استخدمها في قمع المعارضة وتمويل آلة الحرب الداخلية التي خلفت مئات الآلاف من الضحايا وملايين النازحين.
ويرى مراقبون أن هذا الحكم يفتح الباب أمام موجة جديدة من الدعاوى القضائية الدولية ضد الجهات التي تعاملت ماليًا مع أنظمة استبدادية، خصوصًا تلك المتورطة في دعم الإرهاب أو ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
تداعيات الحكم على المؤسسات المالية العالمية
ويرى خبراء قانونيون أن هذا الحكم سيشكل سابقة قانونية خطيرة بالنسبة للمصارف الدولية، إذ قد تواجه العديد من البنوك قضايا مماثلة تتعلق بدورها في تمويل أنظمة أو جماعات مسلحة في الشرق الأوسط وإفريقيا.
كما توقعوا أن يدفع هذا القرار المؤسسات المالية العالمية إلى تشديد سياساتها في ما يتعلق بالتعامل مع الدول الخاضعة للعقوبات أو ذات السجل الحقوقي السيئ.
خطوة نحو العدالة للسودانيين
بالنسبة للاجئين السودانيين، يمثل هذا الحكم نقطة تحول رمزية ومعنوية، إذ يمنحهم الأمل في أن تتحقق العدالة، حتى ولو بعد مرور سنوات طويلة من المعاناة.
وقال أحد اللاجئين الذين شاركوا في الدعوى: “لقد فقدنا أهلنا وأرضنا، لكننا لم نفقد إيماننا بالعدالة. اليوم نشعر أن العالم بدأ يسمع صوتنا أخيرًا”.