منظور آخر لإعلان ترامب بشأن السودان
المحقق – محمد عثمان آدم
من الأمور التي تُميّز الحكومات الغربية المنتخبة أنها نادرًا ما تتصرف عفويًا. فسياساتها وأفعالها، باستثناء حالات الطوارئ القصوى، مبنية على عمل المؤسسات، لأنها تتباين في كيفية العرض وفي كيفية الاستفادة السياسية من عرض نتائج أو ردود الفعل على حدث معين للجمهور، أما الباقي فهو تمثيل- و يسمونه في لغة الصحافة الغربية – الصورة التلفويونية هي الغاية. It is all TV
بمعنى آخر، مَن يعتقد أن ما قاله ترامب عن عدم معرفته شيئًا عن السودان، وأن الخطوة التي اتخذها بشان الاهتمام بالسودان كانت مجرد رد فعل على طلبٍ قدّمه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في اليوم نفسه، مُخطئ.
في مثل هذه الزيارة رفيعة المستوى، تُحسب كل خطوة، وكل فعل، وكل ساعة، وكل دقيقة، وكل تصريح، إن لم يكن من قِبَل رؤساء الدول من الجانبين، فعلى الأقل من قِبَل المسؤولين التنفيذيين وكبار المسؤولين، كالوزراء والمستشارين، حتى مستوى السفراء، من كلا الجانبين.
لذا، فإن تقديري، بناءً على بعض الأمثلة التوضيحية التي سأقدمها لاحقًا، هو أن ترامب والأمير بن سلمان مُتفقان مُسبقًا على هذه الخطوة و كانت الزيارة لتكون مجرد توقيع عقود لو خلت من هذه العناصر اللاذعة الحراقة الجاذبة.
لا شك أن إعلان ترامب – الذي نعلمه جميعًا قبل أسابيع من الزيارة، والذي أعلنته وسائل الإعلام الأمريكية، وحتى العربية، بأن الأمير سيطلب من ترامب إعادة النظر في مواقف إدارته تجاه السودان – نوقش بعمق، واتُّخذ قرار بشأنه. أما كيفية عرضه على الرأي العام، فهي مسالة عرض تليفزيوني Shaw.
بل إن البعض قد قفز إلى استنتاج مفاده أن بولس كان يغرد خارج السرب و هذا نقييم لا يستقيم. لقد كان بولس جزءًا لا يتجزأ من العملية برمتها.
أعتقد أن كل شيء كان متفق عليه، وكان كل شيء سينمائيًا، وأن على ترامب أن يعلن ذلك، وأن يترك صديقه الأمير محمد بن سلمان يجني ثمار الوضع كله.
أولًا، ولأنه بالنسبة لقوات الدعم السريع فقد طفح الكيل، أعتقد أن الجنود والقيادات الصغيرة ستُدمج في المعادلة المستقبلية. ولكن لن يُبرأ كبار القادة. سيتم ترويض الإمارات العربية المتحدة، و لذلك رُقّيت المملكة العربية السعودية إلى مرتبة “حليف الدفاع الاستراتيجي”.
أكد الرئيس ترامب خلال الزيارة، وفقًا لشبكة سي بي إس الإخبارية أنه سيُصنّف المملكة العربية السعودية “حليفًا رئيسيًا من خارج حلف الناتو”، مما يُمثّل خطوةً في تعزيز العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة والمملكة.
أعلن السيد ترامب عن هذه الخطوة خلال حفل عشاء رسمي في البيت الأبيض على شرف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية. و وقّع الزعيمان اتفاقية دفاع استراتيجي جديدة في وقت سابق من اليوم، وصرح السيد ترامب يوم الأثنين أن الولايات المتحدة ستبيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى المملكة العربية السعودية.
قد يفتح هذا التصنيف الباب أمام مزيد من التعاون بين المملكة العربية السعودية والجيش الأمريكي، بما في ذلك تسهيل الوصول إلى المعدات العسكرية الأمريكية الصنع.
تشمل هذه القائمة 21 دولة و كانت السعودية هي آخر دولة تنضم إلى المجموعة، بينما لا توجد الإمارات العربية المتحدة في القائمة. و الدول الاخرى هي: -البحرين، البرازيل، كولومبيا، مصر، إسرائيل، اليابان، الأردن، كينيا، الكويت، المغرب، نيوزيلندا، باكستان، الفلبين، قطر، المملكة العربية السعودية، كوريا الجنوبية، تايوان – بحكم الواقع – تايلاند وتونس إذن الإمارات العربية المتحدة غائبة، على الأقل في الوقت الحالي.
كان هذا هو الوقت الأمثل لمنح ولي العهد السعودي زخمًا ودفعة، ولإخبار الآخرين بأنهم جيدون ومفيدون، ولا شك أنهم أغنياء وذوو حيلة، لكن السعودية تأتي في المقام الأول.
ومنح هذا الإعلان الأمير نفوذًا هائلًا، ومنح ترامب دفعة قوية للتعامل مع قضية السودان. ستكون للمملكة العربية السعودية اليد العليا في الرباعية، التي قد يتقلص ويقتصر دورها على مجرد اصدار البيانات السياسية
مع ذلك، ستبقى الإمارات العربية المتحدة حاضرة في المشهد: فعندما يتعلق الأمر بإعادة التأهيل، ستكون منخرطة بشكل كبير في العملية، أولًا لامتلاكها الموارد اللازمة، وثانيًا لأنها ستسعي لتغيير وتعزيز صورة الدولة الخليجية المشوهة، وفي الوقت نفسه تظل تحت ضغط ملف حقوق الإنسان الذي ارتكبته قوات الدعم السريع، ولن يكون من الصعب إخراج مثل هذا الملف من الدرج وقت الحاجة.
وفي هذا الصدد، وصف رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور جيم ريش، جمهوري عن ولاية أيداهو، وصف السودان لأول مرة بأنه “حليف أساسي في ممر البحر الأحمر”.
وكتب في حسابه الرسمي على منصة إكس (X): “أُشيد بدعوة الرئيس ترامب للتحرك لإنهاء الحرب في السودان – وهو مستوى من الانخراط غائب في عهد إدارة بايدن. إنه مُحق: حرب السودان كارثية، تُسبب أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفظائع مروعة، بما في ذلك الإبادة الجماعية. الكونجرس على أهبة الاستعداد للعمل مع الرئيس ترامب للتوصل إلى سلام مستدام، وإنهاء معاناة الشعب السوداني، والمساعدة في استقرار هذا الحليف الأساسي في ممر البحر الأحمر”
كما أشار مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس ترامب للشؤون العربية والأفريقية، إلى أن ترمب أعلن أن الولايات المتحدة ملتزمة بإنهاءالصراع الدائر في السودان.
و أضاف “تحت قيادة الرئيس ترامب، سنعمل مع شركائنا لتسهيل هدنة إنسانية وإنهاء الدعم العسكري الخارجي للأطراف، والذي يُؤجج العنف. مع السلام والاستقرار، يمكن للشعب السوداني العودة إلى الحكم المدني في سودان موحد. الرئيس ترمب يريد السلام، ونحن ووزير الخارجية روبيو، نتحرك الآن في هذا الاتجاه.
ومع ذلك، فقد شكك محلل وخبير أمريكي في الشأن السوداني في قدرة بولس على التعامل مع هذا الوضع. إذ جادل كاميرون هدسون بأن هذا وضع رمال متحركة، فحقيقة أن المملكة العربية السعودية هي الطرف الذي طلب منع الإمارات العربية المتحدة من توريد الأسلحة والذخيرة لقوات الدعم السريع، مما يعني أنها ستعتبر أي خطوة يتخذها ترامب متحيزة.
وكتب هدسون رؤية موجزة ومكثفة حول الوضع حيث جادل بأن ترامب بحاجة إلى توخي الحذر حتى لا ينجرف في المنافسة الأوسع بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. على الرغم من كيفية دخوله في وضع الحرب، هذا من خلال طلب صريح من محمد بن سلمان، فإنه سيحتاج إلى التأكد من ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها طرف محايد.
و أضاف هدسون بأنه “عندما طلب الرئيس المصري السيسي المشاركة لايجاد حل في فضية سد النهضة، اعتبره الإثيوبيون على الفور متحيزًا. أعتقد أن هذا قد يُصعّب على المدى القريب اتخاذ موقف حازم ضد الإمارات، وهو أمر ضروري لوقف دعمها لقوات الدعم السريع، خشية أن يبدو أن هذه الخطوة كانت بتوجيه من السعودية.
وأضاف أنه من المهم التمييز بين الحربين الدائرتين، وأيهما يمكن لإدارة ترامب التأثير عليها وأيها لا تستطيع. – من المهم أيضًا التمييز بين عقد الصفقات وصنع السلام. تكمن قوة ترامب في الأولى، وليس الثانية، ولكن على المدى الطويل، فإن الثانية هي ما يحتاجه السودان.
وأكد هدسون أن الحرب الأولى هي الحرب الفعلية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع داخل السودان. هنا، أعتقد أن الولايات المتحدة ليست مستعدة لصنع السلام، أي معالجة الأسباب الجذرية للعنف في السودان الذي خلق دورات لا نهاية لها من الانقلابات والحروب منذ الاستقلال. لم نعد نملك الخبرة أو القدرة على الصمود اللازمة لكسر هذه الدورة. أفضل ما نأمله هو إنهاء هذه الجولة الأخيرة من الانقلابات والحروب.
وأضاف أن ترامب قادر على التأثير في التوسط في انهاء الحرب بالوكالة الدائرة. حربٌ تُشنّ في السودان من قِبَل مجموعة من الجهات الخارجية الفاعلة: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، ومصر، وقطر بشكل رئيسي. يتعلق الأمر بصفقاتٍ نخبوية بين جهاتٍ نخبوية. ترامب في موقعٍ جيدٍ للعب دورٍ هنا.
وأكد هدسون أن “ما ينقص السودان، من الولايات المتحدة، والجهات الخارجية الفاعلة، والسودانيين أنفسهم، هو أي رؤيةٍ لما سيبدو عليه اليوم التالي لوقف إطلاق النار. هذا الحوار، إن كان قائمًا أصلًا، فقد طغى عليه القتال والكارثة الإنسانية تمامًا”. .
وأضاف أنه من الأفضل لترامب أن يُدير التوقعات منذ البداية بشأن ما يمكنه فعله وما لا يمكنه فعله في السودان. إن إشارته إلى أن اهتمامه منصبّ على وقف إطلاق النار ووصول المساعدات، وليس على ما سيأتي لاحقًا، من شأنه أن يُلقي بعبء البدء في جهود أكثر صرامة للتخطيط للانتقال وما بعده.
وجادل بأن تدخلات ترامب الأخيرة في السودان أسفرت عن مطالبة السودان في اللحظة الأخيرة بتوقيع اتفاقيات إبراهام مقابل رفع اسمه من قائمة الإرهاب. نعلم أن ترامب يبحث دائمًا عن سبل تمكنه هو أو أصدقاؤه من الاستفادة شخصيًا من أي صفقة يُبرمها، وأنه لا يفعل شيئًا بالمجان. ينبغي على الناس أن يتوقعوا الآن ثمن تدخله في السودان.
