إسحق أحمد فضل الله يكتب: (تقاسيم…)
متابعة:الرؤية نيوز
هشام،
لما سمعتُ بموتك في السويد، ذهبتُ إلى المقابر لأبكي هناك… إلى المقابر لأنها هي أقرب بوّابة إليك…
تذكرتُ حديثك وحكايات الرقّة…
حكيتَ لي عن فصلٍ مدرسيٍّ يُصاب بالتسمّم، وحُجزوا في عنبر بالمستشفى في الطابق الأول… احتياطًا، لأنه لم تكن هناك إصابة حقيقية. وكعادة الأطفال في الحديث، واحد منهم يظل يفخر بأن أباه ثريٌّ أنيق وله عربة جديدة.
وفي اليوم الثاني كان واحد من الأطفال ينظر من النافذة ويرى رجلًا أنيقًا يهبط من عربة فخمة ويتجه إلى العنبر، والطفل يصيح:
“هاشم… أبوك جا!”
في اللحظة ذاتها كان هاشم يرى أباه العجوز في جلبابٍ مسكينٍ يعبر ساحة المستشفى متجهًا إليهم.
والرجل الفخم يدخل، والأطفال يحيطون به ويصرخون مرحّبين وهم يشيرون إلى هشام:
“أنت والد هاشم… لقد كان يُحدثنا عنك… كنا ننتظرك و…”
وهشام الذي يقف في زاوية يظل ينظر إلى الباب.
كان يوقن أن أباه العجوز عند الباب، وأنه قد رأى وسمع كل شيء.
ويبدو أن الرجل الفخم قد فهم كل شيء في لحظة، وهشام يُفاجأ بالرجل الفخم يحتضنه ويسأله عن حاله ويحدثه بأخبار البيت.
وهشام المصدوم ينظر إلى الباب وينتظر دخول أبيه العجوز، وينتظر صاعقة الفضيحة…
قلتَ لي يا هشام إن الطفل هاشم يلتفت، ومن النافذة يرى ظهر أبيه العجوز يمشي منحنِيًا متجهًا إلى باب المستشفى…
هشام، دموعك انفجرت وأنت تكمل الحكاية لتقول لي إن الطفل هاشم دفع بجسمه خارج النافذة وهو يصيح خلف العجوز:
“أبّووووي…”
هشام، كان الطفل هو أنت…
تذكرتُ الحكاية وأنا جالس وسط المقابر، أمام قبر لا أعرفه، وأنا أبكي عليك وأبكي…
وقالوا:
أتَبكي كلَّ قبرٍ رأيتَهُ
ثوى بين اللوى والدكادكِ؟
فقلت لهم:
إن الجَوَى يبعث الجَوَى، دعوني،
فهذا كله قبرُ مالكِ…
أستاذ عمران
في بلدٍ عربيٍّ يُعرض الآن فيلم يشتم الإسلام، والمحكمة ترفض دعاوى منعه، وترفض بحجّة أنها لا تمنع “الإبداع”.
والحجّة هذه تعني أن من يشتم كل شخص في الدنيا بصوت جميل وشكل جميل فلا شيء يمنعه!
قال المعترضون:
ترى لو كان المبدع هذا يشتم الرئيس، أكان القاضي هذا يسمح له بحجّة الإبداع؟
الآن… العالم ما يسوقه هو:
لذائذ الحواس الخمس، ثم لذة هي الأقوى:
لذّة إطلاق الحقد… والأنياب التي هي نسخة من أنياب الحيّة…
والحجّة والمنطق هما صرخات الضحية وهي في فم الأسد.
إسحق أحمد فضل الله
