الرؤية نيوز

آدم ابوعاقلة يكتب:اضراب اطباء شمال كردفان بين المهنية والسياسة

0

(1)

الأطباء مثل العساكر تماما في تنفيذ توجيهات وتعليمات قادتهم ومعلميهم، والجندي معروف بالبسالة والشجاعة والإقدام ويحرم عليه الهروب من المعركة، وفي المقابل الطبيب معروف بحب الإنسانية والتفاني من أجل راحة المريض حتى إرتبط أسمه بـ(ملائكة الرحمة ورسل الإنسانية) فالطبيب تجده دائما قريبا من المرضى خاصة أصحاب الحالات الحرجة والطارئة بالعنايات المكثفة والوسيطة ويتعاطف جدا مع المرضى من الأطفال وتحرم عليه إنسانيته القحة الإبتعاد عنهم أو التوقف عن خدمتهم وعرف الأطباء عبر التاريخ بالزهد عن المال والسلطة والتمحور حول الحزبية والقبلية الضيقة وبالمقابل فإن المريض يثق تماما في الطبيب ويحبه ويؤمن بتوجيهاته ونصائحه وتجده دائما يرجع للطبيب حتى في الجوانب الشرعية المرتبطة بالعبادات ويقول ليك “دا قرار طبيب”.

(2)

ولكن هذه العلاقة الحميمية شابها بعض التوتر والإهتزاز ووصلت إلى مرحلة المواجهة والتلاسن والإشتباك بالأيدي والضرب المبرح وفتح الأطباء بلاغات جنائية ضد المرضى وكشفت متابعات “متابعتنا” تكرار حوادث الإعتداء على الاطباء بشمال كردفان من قبل مرافقي المرضى ومقابل ذلك توقف الأطباء عن العمل بالمرافق الطبية الحساسة من بينها مستشفى الحوادث والطوارئ ومستشفى الأبيض التعليمي لأكثر من نصف شهر وفي هذه الفترة فقدت الولاية أنفس عزيزة بسبب ضيق ذات اليد وعدم المقدرة على العلاج في المستشفيات الخاصة والإستثمارية توفى (5) أفراد في حادث بارا المعروف بسبب الاضراب.

(3)

وكانت مطالب الأطباء توفير قوة مشتركة من القوات النظامية لحمايتهم من إعتداءات المرافقين، وتحسين بيئة العمل الداخلية للمرافق الصحية، وفعلا قام الوالي خالد مصطفى بإصدار قرار بحماية الكوادر الطبية وتوفير قوة مشتركة ترابط في المستشفى لاول مرة في تاريخ المؤسسات العلاجية، وشكل أبناء الأبيض لجنة طوعية لتحسين بيئة العامل من خلال مراجعة الكهرباء وصيانة المراوح والمكيفات والمياه والحمامات، وقامت لجان المقاومة بحملات نظافة للمستشفى وتهيئة الغرف وتعطيرها.

(4)
وعاد الأطباء للعمل وفي اقل من شهرين دخل الأطباء في إضراب آخر بسبب إخراجهم من السكن الذي تستأجره الحكومة بالمحكمة وعدم توفير سكن بديل، فإتخذ الأطباء من مكتب مدير المستشفى سكنا لهم مما جعل المدير مضطرا للخروج من مكتبه من غير عودة، وفى ذلك قامت حكومة الولاية بالبحث عن خيارات فطرحت عليهم السكن في شقق إلى حين تجهيز سكن مناسب فرفضوا وطرح عليهم السكن والإعاشة في فندق زنوبيا فرفضوه أيضا، وتحركت حكومة الولاية ووفرت لهم سكن في أرقى أحياء الأبيض (الدوحة) فكان الرفض ديدنهم.

(5)

وتمسكوا بتحقيق مطالبهم كاملة والتي إنحصرت في (توفير سكن حكومي مناسب – وإعتذار حكومة الولاية عن بيانا أصدرته يقال أنه إتهمت فيه الأطباء بالتمحور حول أجندة سياسية – وإقالة مدير المستشفى ومدير عام وزارة الصحة)، وإستجابت الحكومة أيضا وقامت بكتابة إعتدار عن البيان ووفرت السكن بالمواصفات المطلوبة وذلك بشهادة عدد من الأطباء الإستشارين بينهم بروفيسور عبدالسلام وبروف محمد أحمد عجب، وقدم مدير المستشفى إستقالته عن العمل.

(6)
وكون وزارة الصحة بدرالدين أجبر كرشوم لجنة من الإستشاريين بقيادة بروف عبدالسلام لتقريب وجهات النظر، وبعد إجتماع مطول إستمر حتى الساعات الأولى من الصباح وكانت النتيجة رفض الأطباء العودة للعمل بحجة أن مطالبهم لم تكتمل، وكسروا بخاطر أساتذهم الذين لم يكادوا يصدقوا ما يحدث أما أعينهم من طلابهم، واصرارهم على اقالة مدير عام الصحة اكد للجميع ان هذا الاضراب ليس له علاقة بالمهنية وانه سياسي من الدرجة الاولي.

(7)

وتفاقم الوضع الصحي بالعنايات المكثفة ومستشفى الأطفال والنساء والتوليد وإرتفاع حصيلة الوفيات جعل الإستشارين مضطرين لكسر الإضراب وفتح مستشفى الطوارئ والحوادث ومستشفى الأبيض التعليمي لاستقبال المرضى وأطلاق نداء استغاثة لاصحاب القلوب الرحيمة من أبناء السودان وكردفان الخلص أن هبوا لأنقاذ مرضاكم بمستشفى الأبيض.

(8)

وفعلا هب نفرا كريما من الاستشاريين ونواب الإختصاصيين والأطباء العمومين من وزارة الصحة ومناطق كردفان الكبرى لسد النقص والآن المستشفى يعمل بطاقة تجاوزت الـ(70%) فالتحية مثنى وثلاث ورباع للدكتورة الإنسانة الراقية المهذبة والإدارية الفذة آمال خليل يوسف التى كان لها شرف أول إستشاري يكسر طوق الإضراب الذي حصد أروح الأبرباء من الأطفال في والأمهات وحرم المعدمين والمصابين في الحوادث من العلاج، التحية لك وأنتي تقطعين إجازة زواجك الميمون لتنقذي أرواح بريئة حكم عليها الإضراب بالفناء الممنهج.

(9)

ولمن لا يعرف آمال خليل يوسف فهي إبنة شمال كردفان خريجة جامعة كردفان في العام 2003م تدرجت في العمل المهني والإداري حتى أصبحت إستشارية لامراض الصدر والجهاز التنفسي وتقلدت جملة من المواقع الإدارية من بينها مدير عام الصحة والتنمية الإجتماعية بالولاية وحققت الكثير من الإنجازت، ولاحت لها أكثر من فرصة للعمل بالخارج “دولة قطر” لكنها رفضت وفضلت البقاء في كردفان لخدمة أهلها.

(10)
والتحية ندية إلى الأستشارية أم عزين نائب مدير مستشفى الأبيض التعليمي التي كانت تعمل جنبا إلى جمب مع رفقية دربها وأبنت دفعتها آمال خليل، ومن بعدهما التحية للإستشارين (محمد أحمد عجب – عبدالسلام محمد حامد – خالد الطالب – صلاح الجبيل وقدري) ولا ننسى نواب الأختصاصيين الذين إنحازوا للمرضى دكتور( عامر ادم محمد- هاشم محمد هاشم – بدور الفاضل – اية عبدالحفيط تحمد. وهدى عبدالله).

(11)

شكا عدد من الأطباء من عدم تسليم الأطباء المضربين للعهد المتمثلة في موازين الضغط والسماعات والأختام وأكدوا أنهم ظلوا يعملون بأجهزتهم الخاصة، وتمثلت المعاناة الحقيقية في غياب الأختام بإعتبار أن أغلب الحالات التي تصل لمستشفى الطوارئ من الحوادث الجنائية والشرطة لا تعتمد تقرير الطبيب من غير ختم لذلك تكدس الكثير من المصابين بالمستشفى في إنتظار توفير الختم، وطالبوا بضرورة تسليم العهد حتى ينساب العمل في المستشفى.

(12)

كما طالبوا قيادات المجلس الطبي بالولاية ومجلس التخصصات الطبي وقيادات العمل الإنساني والطوعي الذين عرفوا بالتفاني من أجل المرضى وقيادات الإعلام أن يلعبوا دورا إيجابيا في هذه القضية التى تضررت منها الطبقات الضعيفة والمعدمة من أبناء كردفان الحبيبة وغرب السودان عامة وأن يبعدوا قضايا الصحة والخدمات الاساسية عن أتون السياسة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!