الرؤية نيوز

إبراهيم عربي يكتب (شرق السودان) بين المطرقة والسندان ..!

0

 
نسأل الله الشفاء العاجل للناظر سيد محمد محمد الامين ترك رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة ، وبالطبع نثمن دور المجلس في القيادة ونشييد بتراجعه عن إغلاق المواني لمدة (إسبوعين) إستجابة لطلب اللجنة الحكومية المكلفة بملف شرق السودان برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) ، لإيجاد حل للمشكلة .
في الواقع أن قضية شرق البلاد أصبحت قضية مجتمع متساكن ومتعايش وليست مرتبطة بشخص بعينه لا سيما وأن ولايات الشرق تمثل بمثابة سودانا مصغرا ولكنها رغم ذلك الأكثر فقرا والأقل حظا (تعليميا وصحيا وخدميا وتنمويا) حيث ظلت تشكل مشكلة مياه الشرب لوحدها فيها أزمة لم تنجو منها حتي حواضر ولاياتها الثلاثة (بورتسودان ، القضارف ، كسلا) فشلت دونها كافة الحكومات والإتفاقيات السابقة في أسوا نقض للعهود والمواثيق ، رغم ثراء الشرق وهو يحتضن وحيدا موانئ السودان وهي منطقة غنية بالذهب والمعادن الأخري وثرة بثرواتها الزراعية والحيوانية .
لم يكن البجا مجرد قبيلة بل هم (كيان) متعدد يعود تاريخهم لأكثر من (5) آلاف عام عصارة أمم متنوعة الجزور وقوم جمعت بينهم الأرض واللغة والثقافة وهم مزيج من الحضارات التي سادت من قديم الزمان ، وقد ظهر البجا كمكون سياسي للسطح في السودان تحت لواء (مؤتمر البجا) في العام 1952 قبل الإستقلال ولكنه حالما إنقسم تحت المؤثرات والإستقطابات الحادة حاله حال كيانات السودان المتداخلة حدوديا مع دول الجوار في الغرب والجنوب والمنطقتين والشمال وبل كافة مناطق السودان ، ولكن وبلاشك أن للبجا قضية وحضارة وخصوصية تتعلق بالأرض وبالتالي نراها قضية عادلة تتطلب عدالة في قسمة السلطة والثروة .
لازلت أعتقد بأن شرق البلاد يمتلك كافة مقومات الدولة المستقلة وقد عشت بينهم ثمان سنوات قضيتها بولايات الشرق وطفت المناطق الحدودية بين السودان وإثيوبيا وإرتريا ، وأعلم تماما حجم التداخل بين مكونات المنطقة السكانية وبل كان رئيس دولة إرتريا أسياس أفورقي نفسه يفتخر بإنه من مواطني كسلا والتي إحتضنته وآوته معارضا وبل أصبحت لبعض المكونات إزدواجية في الجنسية (السودانية – الإرترية) وبل طالبت بعضها بدمجها مع إرتريا وليست تلك بعيدة عن أهواء المعارضة السودانية (التحالف) والتي تمثل بعضها ذات مكونات الحرية والتغيير (قحت)، وجد التحالف في إرتريا حضنا دافئا له ومنطلقا آمنا لأعماله العسكرية والسياسية ضد حكومة الإنقاذ حالما تأزمت العلاقة بين أفورقي والإنقاذ التي رعته حتي أصبح حاكما لدولة إرتريا التي إنفصلت من أثيوبيا .
علي العموم لم أجد في كل المناطق من مثلث حمداييت الحدودي بين (السودان وأثيوبيا وإرتريا) وحتي قرورة في المناطق الشمالية الشرقية وفي حلايب وشلاتين اللتان تعيشان وضعا إستثنائيا ، لم أجد فيها جميعا ما يجعل مقومات الحياة فيها سهلا علي إنسانها رغم أن المنطقة كما قلنا تحتضن مواني السودان الوحيدة التي تدر دخلا قوميا كبيرا مسلوبا من أهله فضلا عن الذهب وغيره .
وبل تتميز المنطقة بالكثير من الثروات داخل وباطن الأرض وفيها أخصب الأراضي الزراعية في سهل البطانة ودلتا طوكر والقاش والفاو وكسلا والقضارف وحلفا الجديدة وود الحليو والفشقة التي إحتلت أثيوبيا جزء منها (25) عاما في وضع ظل مسكوت عنه من قبل الإنقاذ بسبب نشاط  المعارضة السودانية (التحالف) والتي نجحت وقتها في إحتلال القرقف وهمشكوريب وطوقان وقرورة وتميكيت وتهديد كسلا والطريق القومي وغيرها . 
علي كل لم تكن مواقف المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة المتزعم لقضية شرق السودان في الأصل متصلبة بل كان منفتحا لأجل إيجاد حل للقضية لا سيما وأن المشكلة في أساسها إنعدام التنمية وتهميش شرق السودان وهو مكان إعتراف بين الجميع .
ولكن أعتقد ما أجج المشكلة وجعلها تأخذ هذا المنحي التصعيدي عدم جدية حكومة الدكتور عبد الله حمدوك ومن خلفه حاضنته السياسية وقتها الحرية والتغيير (قحت) والتي إتهمت المجلس جزافا ، بدلا عن الذهاب خطوة إيجابية نحو إيجاد حل للمشكلة وبل ذهب بعضهم مطالبا الجيش بإستخدام القوة ضد أهالي الشرق ، فطالب المجلس في المقابل حل حكومة حمدوك وتنفيذ مخرجات مؤتمر سنكات .
قال الناظر ترك وضعتنا حكومة حمدوك بتصرفاتها تلك أمام خيارين إما إغلاق الموانئ سلميا علي ذات نهج الثورة (حرية ، سلام وعدالة) أو حمل السلاح وللحرب مساوئها وقد جربناها ..!، ولذلك أغلقنا المواني ، قبل أن يتراجع المجلس سريعا للسماح لصادرات بترول دولة جنوب السودان بالمرور عبر ميناء بشاير وفقا للإتفاق مع اللجنة بقيادة الفريق أول شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة ، غير أن مجلس البجا إستمر في إغلاق كامل للطرق والسكة حديد وغيرها بالمتاريس .
وليس ذلك فحسب بل إستفذ تجاهل حكومة حمدوك المجلس بنظرتها القاصرة وغير المسؤولة وبالتالي ألبت كيانات البجا فطالبت بمنبر منفصل لطرح قضايا الشرق وفق مرجعية مؤتمر سنكات المنعقد في سبتمبر 2020 ، وكان المؤتمر قد طالب بإقليم موحد لولايات شرق السودان (البحر الاحمر ، كسلا ، القضارف) وإنشاء هيئة تنسيقية عليا مشتركة بين جميع مكونات شرق السودان لذات الغرض ، مما يعني الإتجاه نحو الحكم الذاتي وربما طرح قضية الإنفصال محمل الجد ..!.
بلاشك يظل القيادي قياديا أينما كان موقعه وهذا ما أكدته رسالة الدكتور محمد طاهر إيلا رئيس مجلس الوزراء السابق والتي دفع بها من القاهرة مناشدا أهله وقيادة البلاد أن يجعلوا من الشرق وأهله (طرف واحد لا طرفين) ، وقال أن توافقهم حتمي لأن مصيرهم واحد وأرضهم واحدة ، وقال أن كل الحقوق التي يطالب بها أهله من الفريقين مضمنة في مؤتمر سنكات ، وتلك مخرجات لا يتضرر منها أحد ولا قبيلة ولا أي كيان يقطن الشرق ، وقال إيلا أن المستفيدين من ذلك هم أهل الأرض وأصحاب المصلحه وكل القاطنين بالشرق مصتصحبا في ذلك كل العرف والقيم ، ناشد إيلا أهله وكل من يريد خيرا للشرق الإبتعاد عن إستخدام سياسه فرق تسد .
علي كل أعتقد أن حل قضية الشرق ليس في الإحتشاد والإحتشاد المضاد كما ليس في سلب حقوق الآخرين ، وبالتالي ليس الحل في إلغاء مسار الشرق لإرتباطه بأطراف السلام الأخري وليس أيضا المضي به قدما هكذا دون التوافق عليه بين كافة مكونات الشرق ، وبالتالي لابد من تجميد المسار حتي يتم التوصل لتوافق بين مكونات الشرق حتي لو أدي لتعديل الإتفاق للوصول لحل مقبول بين الاطراف ، وإلا إن لم تتدارك الحكومة ذلك ، كلتا الحالتين قد تجر المنطقة  لحرب أهلية .
في إعتقادي أن المسار ليس للأجندات والمكاسب الخاصة وليست لتقاطعات المصالح بل مسارا لأجل حل قضايا الشرق بصورة عادلة ومقبولة بالتوافق بين أهله وذلك يتطلب تنازلات من قبل الأطراف تلتقي في منطقة وسطي يقدم فيها كل طرف تنازلات معقولة لأجل المصلحة العامة للبلاد مع مراعاة المكاسب والإمتيازات الكبيرة التي حققها إتفاق الشرق .
الرادار .. الأحد الخامس من ديسمبر 2021 . 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!