عثمان ميرغني يكتب:ورشة غذاء ودواء
متابعة:الرؤية نيوز
أمس كان يومًا مُثمرًا للغاية. حوالي العاشرة صباحًا، تحركت نحو “مركز المنارة للمؤتمرات الدولية”. كنت أتوقع قاعة متواضعة في فندق فخم تكفي لاستضافة مثل هذه الفعاليات، لكنني فوجئت، وأنا في الطريق، بالتمدد العمراني المذهل لمدينة القاهرة الجديدة. طرق وجسور عبرناها بدت كأنها شُيدت ليلة أمس. البنية التحتية التي أنجزها الرئيس السيسي لمصر تكفيها لعقود قادمة.
قاعة المؤتمرات كانت ضخمة وفخمة، ضمن مركز مؤتمرات يمتد على مساحة شاسعة، كأنها نصف مدينة. كل شيء هنا ينبض بالمستقبل، وكأنه سباق مع الزمن.
استضافت القاعة ورشة عمل بعنوان “غذاء ودواء”، وهي الأولى من ثلاث ورش تعقد شهريًا، لتختتم بملتقى الاستثمار المصري السوداني الذي يجمع رجال الأعمال من البلدين في دورته الثانية، بعد الأولى التي عُقدت في نوفمبر 2024.
ملخص الورشة تجدونه في صفحة أخرى من “التيار”، لكنني هنا أركز على الاتجاه الذي تهب إليه الرياح، لا منه.
رجال الأعمال المصريون والسودانيون في مجالي الغذاء (إنتاجًا وتصنيعًا) والدواء، قدموا معلومات قيّمة يصعب العثور عليها في المراجع أو محركات البحث. كما عرضوا رؤية واضحة ومقترحات مبتكرة لتعزيز قدرات البلدين في هذين القطاعين، مؤكدين بما لا يدع مجالًا للشك أن القطاع الخاص في مصر والسودان قادر على قيادة نهضة اقتصادية تحقق الازدهار وتواكب متطلبات العصر.
يبرز هنا السؤال الحتمي: ما الذي يمنع رفع العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى المستوى الذي يستحقه شعباهما؟
من وجهة نظري، وبالتركيز على بلدي السودان، فإن الخطط الاقتصادية، مهما بلغت من الإبداع والنضج، لن تجد رافعة كافية لتحويلها إلى قرارات وطنية ملموسة دون “وقود سياسي”. العقلية السياسية غالبًا ما تنظر إلى الصدى الجماهيري، حتى لو كان يتردد من فراغ. منهج التفكير في الدولة ينتظر الثمرة دون زرع الشجرة، فيعتمد على الشعارات والخطاب العام الهوائي بدلاً من الخطط الرصينة.
هذا المنهج يُغريه العائد السريع المتستر خلف الخطابات العاطفية المحشودة بالهتافات، بدلاً من مشروع يُخطط بعناية ويُنفذ على نار هادئة لتتدلى ثماره يانعة بعد حين.
في ظل هذا الواقع، لا يملك رجال الأعمال والمخططون الاقتصاديون سوى استخدام ما يُسمى في هندسة الاتصالات بـ”الموجة الحاملة”، التي تنقل الصوت عبر الأثير لآلاف الكيلومترات حتى تصل إلى أجهزة الاستقبال. الخطط الاقتصادية الرصينة وحدها لا تكفي؛ بل يجب دعمها برافعة جماهيرية تجعلها جذابة لصناع القرار التنفيذي أو السيادي.
على سبيل المثال: من إجمالي 200 مليون فدان في السودان، لا يُزرع سوى 25% منها، وغالبها بالري المطري الذي لا يوفر سوى محصول واحد سنويًا. إذا وضع الاقتصاديون خطة لزيادة المساحة المزروعة إلى 100 مليون فدان خلال عامين، مع تحسين الإنتاجية وخفض التكاليف، فإن تنفيذ هذه الخطة لن يعتمد فقط على توقعات العائد، بل على “الرنين” الجماهيري المرتبط بها.
عمليًا، هذا يعني أن الخطط الاقتصادية يجب أن تحمل زخمًا جماهيريًا من خلال عرضها وتسويقها للقواعد المجتمعية، مع تعزيز شعورها بملكية الخطة وعوائدها.
سأعود لما دار في الورشة..
التيار