صديق تاور يكشف السيناريوهات المقبلة بعد مؤتمر القاهرة
سبوتنيك – تعددت التقديرات وتباينت الآراء خلال الساعات الماضية بعد البيان الذي صدر عن مؤتمر القوى السياسية السودانية التي عقدت مؤتمرها في القاهرة، حيث ساد التفاؤل لدى البعض في حين يرى آخرون أن البيانات والتصريحات لن توقف طلقات المدافع وحمام الدماء.
حول ما جرى في القاهرة والسيناريوهات المقبلة، أجرت وكالة “سبوتنيك” المقابلة التالية مع الدكتور الصديق تاور، عضو مجلس السيادة السوداني السابق قبل انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والقيادي في حزب البعث العربي (الأصل).
إلى نص الحوار..
بداية كيف رأيتم مخرجات مؤتمر القوى السياسية السودانية في القاهرة؟
مؤتمر القوى السياسية بالقاهرة هو نقلة كبيرة فيما يتعلق بالحراك والحرب الدائرة منذ أكثر من عام، حيث عمل على إحداث اختراق في الأزمة السودانية التي أخذت طابع عسكري (عسكرة المشهد السياسي) بشكل كامل، فلم يعد الأمر خلاف بين سلطة عسكرية وجماهير شعبية مدنية تبحث عن استرداد الثورة، إنما تحولت البلاد بكاملها إلى مسرح للاقتتال والاحتراب، وأصبحت كل الجغرافيا السودانية بشكل ما مسرح للحرب، فكل المدن استقبلت النازحين ودول الجوار استقبلت اللاجئين، ومنذ الأسبوع الأول كانت هناك مساع حثيثة لوقف الحرب بشكل جدي، لكنها كانت تصطدم بعدم وجود كتلة سياسية مدنية متماسكة وموحدة حول ضرورة وقف الحرب، وهو ما حاول مؤتمر القاهرة إيجاده في تلك المرحلة.
كيف ترى مؤتمر القوى السياسية الأخير أو تلك الكتلة الموحدة؟
عدم وجود صوت وكتلة مدنية سياسية موحدة الفترة الماضية أحبط كل الجهود التي بذلت من أجل وقف الحرب، والقى بظلاله على الكثير من المنابر الأفريقية والعربية والدولية، لذا أرى أن ما حدث في القاهرة هو اختراق كبير لإيجاد مفاتيح لحل الأزمة السودانية، فلأول مرة تلتقي الأقطاب السودانية التي كانت تصطف في اتجاهين فيما يتعلق بالحرب، وهذا الأمر اختراق إيجابي وله تأثير كبير من أجل العمل على وقف الحرب.
هناك بعض الآراء ترى أن عدم توقيع بعض القوى المشاركة على البيان الختامي هو نتيجة طبيعية لعدم وجود رؤية مشتركة قبل عقد المؤتمر.. ما رأيكم؟
الرؤية المشتركة لكي يتم ايجادها يجب أن يسبقها نقاشات، وهذا ما حدث في القاهرة، حيث كان المؤتمر فرصة لالتقاء فرقاء كانت المسافات بينهم كبيرة جدا أو نستطيع القول أن كل منهم كان في اتجاه معاكس للآخر، لذا فإن مجرد جلوس هؤلاء الفرقاء تحت مظلة واحدة وتحت عنوان رئيسي يحصر الجميع (معا لوقف الحرب) هو شيء إيجابي، لأن الهدف الأساسي من المؤتمر هو توحيد المواقف والجهود باتجاه وقف الحرب، ورغم قصر المدة التي عقد فيها المؤتمر إلا أنه نجح في حشد الصوت الأكبر الرافض للحرب، وهذا الأمر يضعف الأطراف التي تعول على استمرار الحرب والحسم العسكري وعدم الاكتراث بالمآسي التي تسببت فيها تلك الحرب.
من هم الرافضون للبيان الختامي ولماذا اتخذوا هذا الموقف رغم مشاركتهم في المؤتمر؟
الرافضون للبيان الختامي لمؤتمر القاهرة على الرغم من أنه بيان متوازن ومعقول ولم يشطح كثيرا في مخرجاته، بل طرح وأكد على أساسيات لا يمكن الاختلاف حولها، هم المجموعات التي أشعلت الحرب من ناحية، ومن ناحية أخرى اصطفت إلى جانب أحد الأطراف.
وبعضهم من الناحية التاريخية يعد من أمراء الحروب وكان لهم أدوار رئيسية في اندلاع صراعات و نزاعات متعددة في أجزاء كبيرة من السودان، فالحرب بالنسبة لهم مهنة وسبيل للتكسب السياسي، لأنه لا يمكن لأحد على الإطلاق أن يرفض فكرة وقف الحرب، وتهاجم من دعوا إلى ذلك في القاهرة، رغم أن كل ما جرى كان واضح ومكشوف للجميع، ولذلك يجب التأمين والتأسيس على مخرجات ما جاء في مؤتمر القاهرة بديلا عن مهاجمته.
ما الذي يمكن أن تقدمه القوى السياسية وخاصة “تقدم” بعد مؤتمر القاهرة؟
“تقدم” لم تكن وحدها في هذا المؤتمر، فقد شاركت العديد من القوى السودانية التي لا تربطها أي صلة بتقدم، وهى قوى مؤثرة ولديها حضورها سواء كانت سياسية أم مدنية، وعلى سبيل المثال: “حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، أيضا حزب البعث العربي (الأصل) شارك في المؤتمر ممثلا بأمين السر علي السنهوري، وغيرها من القوى والمنظمات والأحزاب، لذا لا نستطيع أن نقول أن “تقدم” هى الركن الأساس في المؤتمر الكثير من القوى شاركت بشكل رسمي كما شارك العديد من المحسوبين على النظام السابق، لكن تحت لافتات مستقلة.
هل شارك المؤتمر الوطني “حزب البشير” في هذا المؤتمر؟
الشرط الوحيد الذي وضعه المشاركون في مؤتمر القاهرة هو عدم مشاركة حزب المؤتمر الوطني كحزب أسقطه الشعب السوداني ومسؤول عما جرى في السابق حتى إشعال الحرب، وسر نجاح المؤتمر أنه استجاب لتلك الرغبة التي وضعها المشاركون، وهذا يؤسس لمرحلة الترتيب السياسي القادم والرؤية المشتركة بأن الحرب التي تدور اليوم بين أعداء الثورة السودانية وهي امتداد لانقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 الذي أسقط الحكومة المدنية وعرقلتها وأعاد النظام البائد، لذلك نرى أن المؤتمر يعطي الفرصة للقوى المتمسكة بشعارات الثورة السودانية، وفي نفس الوقت إيقاف الحرب وتوجيه المشهد باتجاه عودة النظام المدني.
ما أهم البنود التي ناقشها المؤتمر؟
من أهم البنود التي ناقشها المؤتمر والتي تتعلق بالعملية السياسية، أن لا يكون هناك أي مستقبل سياسي لأي من القوى العسكرية سواء الدعم السريع أو الجيش أو كل من يحمل السلاح، ومن يحمل السلاح ويرغب في العمل السياسي عليه أن يتحول إلى قوة مدنية وهذا هو الوضع الطبيعي، لأن أحد انتكاسات الفترة السابقة أن تم التوافق في جوبا على استيعاب الحركات المسلحة وإعطائها نصيبها في السلطة وفي نفس الوقت تحتفظ بسلاحها وعتادها، واستخدمت ذلك في الخلاف على السلطة المدنية وتآمرت عليها لأنها كانت تطمح للحصول على المزيد من المكاسب لنفسها.
هل تتوقع أن يكون هناك دور فاعل مستقبلا لرئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك؟
سيظل عبد الله حمدوك، فردا رغم رمزيته كرئيس وزراء شرعي للسلطة الشرعية المدنية، ولا يمكن صياغة المشهد السياسي المستقبلي بناء على فرد مهما كانت مقدرته وكفاءته وعلاقاته، ومع ذلك يظل حضوره يضيف بعد للقوى المدنية ومشروعيتها والدفع باتجاه استعادة السلطة المدنية وقيادتها للمشهد، فليس بالضرورة أن يكون حمدوك نفسه يتقدم المشهد، لكن مشاركته وحضوره مهمة في تقديري.
برأيك.. هل الوضع الراهن جاهز لتقبل مخرجات مؤتمر القاهرة للقوى السياسية السودانية؟
كل الذين شاركوا في المؤتمر يجمعون على أن عملية وقف الحرب يجب أن ترتبط بفترة انتقالية قصيرة لا تتجاوز العام.
ماهي الدوافع الحقيقية للصراع بين الجيش والدعم السريع؟
الطرفان المتحاربان اليوم في البلاد اشتركا مجتمعين في الانقلاب على السلطة المدنية بحجة حماية الثورة التي قالوا إنها اختطفت من مجموعة صغيرة وأنهم يريدون تصحيح مسار الثورة وإعادتها لأصحابها ولشباب الثورة في الوقت الذي كانوا يمارسون فيه القتل للشباب والجماهير الثائرة، هنا انكشفت كل الخدع وتم تعريتهم وكشف زيفهم وأنهم ضد الثورة ويبحثون عن حماية مصالحهم الاقتصادية من خلال السلطة وقهر الشعب، وعندما فشلوا في تحقيق ذلك سويا انقلبوا على بعضهم ودخلوا إلى معسكر الحرب باسم الثورة والديمقراطية والكرامة والحرية للمواطن والأمن القومي للسودان، بينما هم في الحقيقة يتباريان في تشريد وقتل الشعب وهدر موارد البلاد وإيصالها إلى أن تكون الكارثة الإنسانية الأكبر في العالم تحت شعارات جوفاء.
ما هي الأدوات التي يمتلكها المؤتمر لتنفيذ ما تم التوافق عليه بين القوى السياسية في ظل مشهد سياسي عسكري يتحكم في كل شيء؟
القوى المدنية تمتلك القاعدة الجماهيرية الواسعة من المدنيين السودانيين الذين هم ضحايا تلك الحرب والذين استجابوا لنداءات القوى المدنية بالنأي بأنفسهم وعدم الانجرار خلف أي من طرفي الحرب، وقد حاول طرفي الحرب (الجيش والدعم السريع) استقطاب القبائل والتكوينات الجهوية ومحاولة التحشيد للحرب اجتماعيا واستهداف من أسموهم بـ”الحواضن الاجتماعية” في مناطق سيطرة هذا الطرف أو ذاك، لكن القوى المدنية فطنت لهذا الأمر ولعبت دور قوي في توعية القواعد الجماهيرية الواسعة بأن تلك الحرب تدور بين أعداء الثورة والشعب السوداني.
ويضيف: “بنفس تلك القدرة التي تمتلكها القوة المدنية باستطاعتها تجريد طرفي الحرب من شرعية الحديث باسم الشعب السوداني، وبالتالي تحملهم مسؤولية الجرائم التي يمارسونها وتُعريهم أمام العالم، الأمر الذي يستحيل معه حصولهم على أي اعتراف دولي أو القدرة على الاستمرار أو الحكم، بالدعم السريع اليوم يسيطر على ولايات واسعة لكنه لا يستطيع أن يحكم وفي نفس الوقت نجد أن القيادة الانقلابية للجيش تسيطر تقريبا على ثلث الولايات، لكنهم لا يستطيعون طرح أنفسهم كسلطة شرعية مقبولة، ما يعني أن الطرفين معزولين، لذلك فإن القوى المدنية عندما توحد صوتها وقيادتها وإرادتها الشعبية ستكون ضاغطة باتجاه وقف الحرب وعزل طرفي الصراع عن المشهد القادم”.
متى تقف الحرب في السودان وهل الأمر يحتاج إلى تدخل قوى دولية؟
أعتقد أن مخرجات مؤتمر القاهرة بالإمكان أن تتحول إلى خطوات عملية، لأنها حددت وقف الحرب ومعالجة المعاناة الإنسانية ثم تأتي الخطوة التالية لترتيب المشهد السياسي، ويمكن أن يتم ذلك في وجود سند إقليمي ودولي يحاصر الطرفين ويفرض عليهم الاستسلام والاستجابة لتلك المخرجات، المطلوب فقط المتابعة والاستمرارية بنفس الايقاع السريع للحرب، وأرى أن يتم النظر لما جرى في السابق وإسناده لمخرجات مؤتمر القاهرة لإيقاف الحرب، وإذا سارت الأمور بذات الإيقاع بدون تعدد للمنابر والتنافس بيها وأن تسير الأمور باتجاه توحيد الرؤية، فإن وقف الحرب يمكن أن يحدث ما بين ثلاث إلى ست أشهر في تقدير.
أجرى الحوار/ أحمد عبد الوهاب
وكالة سبوتنيك