عثمان ميرغني يكتب : كسر السلسلة
العالم الشهير ألبرت أينشتاين قال: “وراء كل سبب… سبب آخر”. وبهذا المنطق.. لا يجب التوقف عند سبب واحد، بل يجب تتبع التسلسل والسلاسة للوصول إلى الأصل، ثم العودة خطوة إلى الوراء، من الأب إلى الجد، ثم جد الجد، حتى الوصول إلى آخر الجد إن كان ذلك ممكنًا.
الآن، لنطبق نظرية أينشتاين على ما يحدث في السودان:
الحرب الراهنة… السبب: الدعم السريع.
الدعم السريع… السبب: نظام الإنقاذ.
نظام الإنقاذ… السبب: مواجهة الحركات المسلحة.
الحركات المسلحة… السبب: سوء سياسات الإنقاذ.
نظام الإنقاذ… السبب: النظام الحزبي الضعيف.
النظام الحزبي الضعيف… السبب: الانتفاضة ضد نظام نميري.
نظام نميري… السبب: حل الحزب الشيوعي.
حل الحزب الشيوعي… السبب: الأحزاب.
الأحزاب… السبب: ثورة أكتوبر.
ثورة أكتوبر… السبب: نظام عبود.
نظام عبود… السبب: رئيس الوزراء عبد الله خليل.
عبد الله خليل… السبب: لقاء السيدين.
السيدان… السبب: الإدارة البريطانية.
الإدارة البريطانية… السبب: ضعف وفساد حكم الخليفة التعايشي.
وهكذا تتوالى الأسباب.. ويمكنني متابعة السلسلة إلى أبعد من ذلك كثيرًا، ولكن..
لتصحيح الصورة العامة.. نحتاج للعودة من نهاية سلسلة الأسباب وننظر أين كان من الممكن قطع التسلسل، لمنع الحرب الراهنة في السودان. أي، كيف يمكننا قطع السلاسة لمنع “الخِلفة”.
من الواضح أن أي حلقة في هذه السلسلة كان من الممكن كسرها وبكل سهولة لمنع نشوء الكوارث. إذًا، يصبح السؤال الجوهري: لماذا لم تُكسر هذه الحلقات الشريرة حتى لا تقود إلى هذا الواقع الدموي المدمر؟
الإجابة تتطلب قراءة القواسم المشتركة بين هذه الأسباب. تحليل القواسم المشتركة يبرز أن نقطة الضعف كانت دائمًا في قابلية الشعب السوداني لتقبل الأسباب وما تنتجه.. بل أن هذه الأسباب تتغذى وتترعرع في كنفه حتى بلوغها السن القانونية لإنتاج أسباب أخرى للكوارث والمصائب.
مثلاً، لو لم تكن هناك حركات مسلحة في دارفور، لما كانت هناك حاجة لصناعة الدعم السريع. وبدلاً من العمل المسلح ضد الجيش والحكومة.. لو انتهجت الحركات الكفاح السياسي مثلما فعل الشعب السوداني في ثورة ديسمبر التي استمر الحراك فيها خمسة أشهر.. وكانت نتائجها أكبر مما حققته الحركات المسلحة على مدار عشرين عامًا، دفع فيها الشعب السوداني ثمناً باهظًا من دماء أبنائه وبناته.
أو لو تم كسر الحلقة في قرار عبد الله خليل بتسليم الحكم للجنرال عبود. أو في ثورة أكتوبر، إذا لم يجبر عبود الشعب على الإطاحة به.. وهكذا.
لكن القاسم المشترك الأعظم.. كما أسلفت، هو قابلية الشعب السوداني لتقبل الخطأ، بل وأحيانًا الإمعان في الدفاع عنه.
الآن، ونحن على أبواب الخروج من فخ الحرب.. تبدو السلسلة الشريرة في كامل استعدادها لمواصلة وصل حلقة جديدة.
بكل تأكيد.. الحرب تصنع نظامًا سياسيًا يفترض أن يكون جديدًا.. خارج سياق الأخطاء التاريخية التي أدت إلى هذا المصير. لكن الواقع أثبت حتى الآن أن القطاع السياسي، ممثلاً في الأحزاب والتحالفات السياسية.. لم يستفد إطلاقًا من تاريخه الطويل، وهو الآن يتأهب لاستعادة السيرة المعهودة بكل أخطائها وضلالاتها القديمة.
نحتاج بشدة لعقلية تكسر السلسلة.
صحيفة التيار