الرؤية نيوز

إسحق أحمد فضل الله يكتب:(المدرعات..وما حدث وأُخفي)

0 129

متابعة:الرؤية نيوز
وأمس الأول، والجيش يهرد الدعم غرباً، كانت مواقع الشبكة تحمل الامتداد المتسع لمقابر شهداء المدرعات… وكل قبر تنحني عنده لافتة (شاهد) يحمل اسمه…
والميدان الذي ظل يمتد لأعوام ثلاثة قبل انفجار المدرعات كان بعضه هو…
الأحداث الكبيرة مثل معارك المدرعات هي شيء مثل نسيج القماش:
أحداث هي خيوط رأسية، وشخصيات هي خيوط أفقية… وتصنع الأحداث.
لهذا نسوق خيوطاً قليلة… أحداث من هنا، وخيوطاً قليلة… هي الشخصيات من هناك… رسم بقلم الرصاص دون ألوان.
وشخصيات في الحكاية النجوم على صدرها هي الإيمان والرجالة فقط.
والخلط في أسماء ورتب الشخصيات هذه ليس مقصوداً… لكن أكثر القادة من رتب رفيعة.
(٢)
قبل انفجار الحرب بعشرة أيام كان الجميع/ العامة والعسكريون/ يحملون شعوراً مثل الدبابيس على الجلد… شعور بأن شيئاً تدق عقارب ساعته لينفجر.
كان عشرة… عشرون… خمسون موقعاً تحت الأرض (هي المخازن الخرسانية التي أقامها الدعم لتخزين أسلحته وعرباته) تلفظ ما في جوفها.
والدعم ظل ولأسابيع يطلق عرباته ومدرعاته في شوارع الخرطوم بأسلوب محسوب هو… حتى يعتاد المواطن على وجودها هناك… حتى إذا رآها المواطن ليلة التنفيذ لم يلتفت إليها.
وكانت المواقع السبعة عشر/ مواقع كان توزيعها الاستراتيجي يجعلها تحكم القبضة على العاصمة/ وهي التي كانت لجهاز الأمن ثم أُخرج منها. المواقع هذه كانت ساهرة ليلة الرابع عشر من أبريل.
وكانت عمارة معينة جنوب الخرطوم تجمع نجومها… والمبنى هذا كان يجمع كل اتصالات الدعم ومكاتب مخابراته… والمبنى هذا لما قصفه الطيار (ابن المذيع الرياضي المعروف) بطائرته ودمّره كان الدعم يفقد الكثير جداً من قوته.
وفي ليلة الرابع عشر كان وفد من الدعم يدخل على صديق يوسف، الرجل الثاني في الشيوعي، يطلب دعم الحزب… ويقولون له إن نجاح الانقلاب مضمون بنسبة ثلاثمائة في المائة.
وسكرتير الحزب يقول لهم:
“تظنون هذا لأنكم لا تعرفون الجيش السوداني”.
والرجل يرفض اشتراك الحزب في الأمر.
والجميع كان مغرماً بجملة (نجاح بنسبة ثلاثمائة في المائة) فبعض قادة المناطق كانوا في الليلة تلك يسلمون معسكراتهم للدعم ويشرعون في تلميع البدلة للاشتراك في الحكومة القادمة.
وفي مروي وغيرها كان شيء مماثل.
وفي مواقع الدعم كانت المدفعية/ في الساعة ذاتها/ تدقق التصويب على القيادة، والمدرعات، والقصر، وعشر مواقع هي ما يدير الحياة. لكن…

(٣)
في اليوم ذاته كان العميد البصير يكمل حشد الدقيق والعدس في الهناقر… الرجل الذي يشم رائحة الحصار قبل عشرة أيام، كان يلتقط الطعام الذي يُصبّ للحصار… وكان الآخرون يسخرون منه.
والطعام هذا يحفظ الموقع العسكري لثمانين يوماً… لكن ما بعدها مؤلم.
ولما كانت أول قذيفة تسقط في المستشفى، كانت مواقع أخرى تتلقى مطر الجحيم.
وفي الأيام الأولى، والجيش دون أسلحة، إلى درجة أن المستشفى لم يكن يحرسه إلا عشرة جنود… وسلاحهم ثلاث رشاشات كلاشنكوف… كانت معركة الحرس الرئاسي في بيت الضيافة تبدأ.
والشهيد باسبار يسقط وهو يحذر زملاءه:
“الكلام بدا”.
وحول فيلا البرهان كان ضباط صف وجنود يتساقطون:
الشهيد محمد المقبول، محمد حسن مصري، علي حسين، يوسف جوزيف، يوسف الشيخ مهنا، الرشيد حسين، محمد رحمة، سليمان قمر، سامي صلاح…
وكان القادة يتجارون:
الرائد محمد قمر،
ملازم حاكم،
رائد المنصوري،
مقدم أحمد سيد أحمد،
مساعد رضوان.
كان عدد الإصابات لا يُطاق… ولا إسعاف… ولا طبيب… والدعم مثل غابة الشوك في الطرقات.
والرائد محمد عمر الشيخ (العيلفون) يقرر شيئاً…
التوجيهات كانت هي:
نقل الجرحى مهما كان من بيت الضيافة إلى السلاح الطبي.
كانت الساعة هي الحادية عشرة مساء، والجرحى يزحمون الغرف.
ومحمد عمر يجعل الجنود والزملاء يحملون عدداً إلى العربة…
ترددوا… فالنقل هذا كان يعني فناء الجميع.
لكن محمد يجعل عشرين منهم على أرض العربة، ثم ينطلق في بحر نيران الدعم….
شارع السيد عبد الرحمن، تحت بحر الرصاص والدانات،
المريديان،
نادي العمال،
صينية القندول،
استوب الحرية،
الاستاد،
جامعة السودان،
كبري الفتيحاب…
ثم عودة ونقل آخرين…
ثم عودة ونقل بقية الأربعين جريحاً.
هذا خيط من النسيج الواسع… الخيط نمده حتى يكون المشهد… مشهد ما جرى في اليوم الأول والثاني في الحرب مفهوماً.
ونتوغل في أغرب قصة لأغرب جيش… وأغرب إرادة.
الله أكبر.
إسحق أحمد فضل الله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.