عثمان ميرغني يكتب عن تأثير أحداث حضرموت على السودان ؟
متابعة ـ الرؤية نيوز
مع الصباح يوم أمس (الثلاثاء 30 ديسمبر 2025)، نفذ طيران التحالف بقيادة السعودية غارة جوية محدودة على شحنة عسكرية (أسلحة وعربات قتالية) أفرغتها سفينتان في ميناء المكلا بمحافظة حضرموت في اليمن. وأصدر التحالف بيانًا فوريًا يوضح تفاصيل العملية، مشيرًا إلى أن الشحنة كانت تهدف إلى دعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات.
بعد ساعات قليلة، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني (المدعوم سعوديًا) رشاد العليمي قرارات تشمل إعلان حالة الطوارئ، وإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، ومطالبة القوات الإماراتية بالانسحاب من اليمن خلال 24 ساعة.
أعقب ذلك بيان سعودي رسمي أكد دعم الموقف اليمني واعتبر التصرفات الإماراتية “بالغة الخطورة” على الأمن الوطني السعودي، مع الحرص على احتواء التصعيد. ثم أعلنت الإمارات سحب قواتها المتبقية (وحدات مكافحة الإرهاب) من اليمن “طوعًا”، نافية إرسال أسلحة ومؤكدة التزامها بأمن السعودية الشقيقة.
تابع السودانيون تصاعد الأحداث باهتمام كبير، إذ يرون فيها إسقاطات مباشرة على الوضع في السودان، حيث تتهم الحكومة السودانية الإمارات بدعم قوات الدعم السريع ماليًا وعسكريًا، بينما تنفي أبوظبي ذلك رغم تقارير أممية وإعلامية دولية تؤكد الاتهامات.
وزاد من ارتباط السودانيين بالحدث التقارير السابقة عن سيطرة المجلس الانتقالي على محافظتي حضرموت والمهرة، ثم اعتراف إسرائيل رسميًا بـ”أرض الصومال” (صوماليلاند) كدولة مستقلة، وتوقيعها على اتفاقيات في روح الاتفاقيات الإبراهيمية. مما يعني عمليًا تمدد نفوذ إسرائيلي للتنافس على مدخل البحر الأحمر عند “باب المندب”.
وهذه تطورات في غاية الخطورة على الأمن القومي للمملكة العربية السعودية ومصر، أهم دولتين في منظومة الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
رغم سخونة الأحداث، احتشدت لغة البيانات المتبادلة بين السعودية والإمارات بكلمات مثل “الشقيقة” و”الأشقاء”، مع التأكيد المستمر على العلاقات الخليجية والحرص على الاستقرار والأمن في المنطقة. وهي لغة ربما لم تكن مريحة لمن ترقبوا مزيدًا من التصعيد.
رغم التجانس الكبير بين دول مجلس التعاون الخليجي سياسيًا واجتماعيًا، إلا أنها لم تسلم من خلافات ثنائية ومتعددة منذ نشأتها. لكن في كل المنحنيات التاريخية، أمكن تجاوز نقطة الهاوية التي تنزلق إلى ما لا يمكن العودة منه.
ونجحت دول الخليج في إدارة خلافاتها بمرونة غلبت فيها المصالح المشتركة، كونها لا تحتمل الصراعات العسكرية أو حتى التوترات الأمنية الشديدة.
ولم يكن لعاقل تصور أن يتطاير شرر ما حدث أمس لإحراق العلاقات بين السعودية والإمارات.
وقد تستمر تداعيات الحدث مع استمرار الخلافات والصراعات بين الأطراف في اليمن. لكنها بالضرورة ستظل مدارة بحزام أمان صارم يمنع خروجها من حدود اليمن، أو اقترابها من تهديد دول الخليج.
يظل السؤال الذي يهم السودانيين: ما هو تأثير أحداث حضرموت على السودان؟
وزارة الخارجية السودانية ارتكبت خطأ كبيرًا –كعادتها– إذ سارعت بإصدار بيان يؤيد الموقف السعودي. رغم أن السعودية أكدت بلسان رسمي أنها لا ترغب في تطوير الحدث إلى مواجهة أوسع، بل سعى محللون سعوديون إلى وصف التصرف الإماراتي بـ”خطأ” لاحتواء الأمر وتحجيمه زمنيًا وجغرافيًا، و تجنب تطويره الى “موقف”.
بلا شك، يرغب السودانيون في رؤية الإمارات تتراجع عن مساندة قوات الدعم السريع، لأن ذلك يفتح بابًا واسعًا لإنهاء الأزمة في السودان سلمًا أو حربًا. ويعتقدون أن فتح جبهة أخرى تنشغل بها الإمارات قد يحقق ذلك الأمل.
لكن ذلك ليس صحيحًا بالضرورة، بل ربما تزداد الأوضاع في السودان تعقيدًا. فكلما اتسعت دوائر المواجهات في الإقليم، زاد الاستقطاب والحاجة الماسة للأطراف العربية إلى نقل الصراعات إلى مسارح بعيدة توفر لها أكبر دائرة أمان.
وبالضرورة، سيتحول السودان إلى ملعب كبير للإرادات الدولية والإقليمية، وهي مرحلة لن تجدي فيها الحلول الداخلية السودانية، ولو اتفقت عليها كل القوى السودانية.
السودان دولة كبيرة مساحةً، لها حدود برية وبحرية مع ثماني دول مهمة، وكبيرة مواردًا اقتصادية، في مقابل دولة منهكة من الحرب وضعيفة التماسك الداخلي. مما يجعلها أرضًا محفزة لتناطح الإرادات الدولية والإقليمية.
وأفضل سياسة يمكن اتباعها هي الحرص على إطفاء النيران من حولنا، خاصة في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، مهما كان مصدرها وأسبابها.
لو صدر بيان الخارجية السودانية بدعوة للتهدئة، لدل ذلك على عمق النظرة الاستراتيجية للسياسة الخارجية. لكن بكل أسف، طغى التعاطي الانفعالي على الحصافة والرشد.
التيار
