أزمة سد النهضة تدخل مرحلة جديدة
في إطار التحركات الدبلوماسية المكثفة التي تقودها القاهرة لحماية أمنها المائي، أبلغ وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني خلال لقاء جمعهما في العاصمة الأوغندية عنتيبي، أن مصر ترفض بشكل قاطع الإجراءات الأحادية التي تتخذها إثيوبيا بشأن سد النهضة، معتبرًا أنها تمثل انتهاكًا واضحًا لقواعد القانون الدولي المنظم للموارد المائية المشتركة في حوض النيل الشرقي. عبد العاطي نقل رسالة رسمية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى نظيره الأوغندي، أكد فيها التزام مصر باتخاذ كافة التدابير القانونية والدبلوماسية اللازمة لحماية مصالحها المائية، في ظل استمرار تعثر المفاوضات وعدم التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن تشغيل السد الإثيوبي.
اللقاء تناول بوضوح شواغل القاهرة المتعلقة بملف نهر النيل، حيث شدد عبد العاطي على أن مياه النيل تمثل قضية وجودية بالنسبة لمصر، التي تعتمد على النهر بنسبة تفوق 90% من مواردها المائية. كما أعرب عن تطلع بلاده لتعزيز التعاون الإقليمي بين دول الحوض، بما يدعم التنمية المستدامة ويعزز روابط الأخوة الأفريقية، مشيرًا إلى أهمية الالتزام بالقانون الدولي في إدارة الموارد المائية المشتركة، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه المنطقة.
أزمة سد النهضة الإثيوبي تُعد من أبرز الملفات الخلافية بين دول حوض النيل، وتحديدًا بين مصر والسودان وإثيوبيا، حيث بدأت الأخيرة بناء السد عام 2011 على النيل الأزرق، الذي يساهم بنحو 86% من مياه النيل، ما أثار مخاوف عميقة لدى دولتي المصب بشأن تأثير المشروع على حصصهما التاريخية من المياه. مصر ترى في السد تهديدًا مباشرًا لأمنها المائي، بينما تعتبره إثيوبيا مشروعًا حيويًا لتوليد الكهرباء وتحقيق التنمية الاقتصادية، وهو ما أدى إلى تباين حاد في المواقف بين الأطراف الثلاثة.
المرجعية القانونية لحصص المياه تستند إلى اتفاقيتي 1929 و1959، اللتين منحتا مصر والسودان حصصًا ثابتة من مياه النيل بلغت 48 مليار متر مكعب لمصر و4 مليارات للسودان من إجمالي 84 مليار متر مكعب، إلى جانب منح مصر حق الفيتو على أي مشاريع تقام على النهر أو روافده. غير أن دول المنبع، ومنها إثيوبيا وأوغندا، لم تكن طرفًا في تلك الاتفاقيات التي أُبرمت في ظل الاستعمار البريطاني، ما دفعها إلى اعتبارها غير ملزمة قانونًا.
أوغندا، بصفتها إحدى دول المنبع والموقعة على اتفاقية عنتيبي، تلعب دورًا محوريًا في هذا السياق، خاصة في ظل علاقاتها الوثيقة مع مصر، التي عززتها عبر اتفاقيات عسكرية واقتصادية، من بينها اتفاقية تبادل المعلومات الاستخباراتية الموقعة عام 2021. هذه العلاقات تُعد ركيزة أساسية في جهود القاهرة لحشد الدعم الإقليمي لموقفها من أزمة السد.
المفاوضات الثلاثية التي جرت بين مصر والسودان وإثيوبيا برعاية الاتحاد الأفريقي فشلت في التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، حيث تتهم القاهرة أديس أبابا باتخاذ خطوات أحادية، أبرزها ملء الخزان في عامي 2020 و2021 دون تنسيق مسبق، ما اعتبرته تهديدًا للأمن المائي لدول المصب. في المقابل، تؤكد إثيوبيا أن السد لن يتسبب في أضرار كبيرة، مستندة إلى تقرير اللجنة الفنية الثلاثية الصادر عام 2013، وتتمسك بحقها في التنمية، وهو ما يزيد من تعقيد الأزمة ويضع مستقبل التعاون الإقليمي في اختبار حقيقي.
هذا الصباح