الرؤية نيوز

عثمان ميرغني يكتب:الحكومة المتوهمة

0

يفترض أن يتم التوقيع على ما أطلق عليه “ميثاق التأسيس”.. الذي يمهد للإعلان عن حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع.
هذه الخطوة تمثل قمة اليأس من السيطرة على الحكم عن طريق الانقلاب العسكري الذي وقع في 15 أبريل 2023، وقد تأكد تمامًا فشل هذا المسار بعد أن دمر البلاد وتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
ولكن.. على الرغم من أنها خطوة فاشلة، فإنها تمثل مؤشراً خطيراً يكشف عن استسلام القوى السياسية للحلول التي قد تؤدي أحيانًا إلى كوارث وطنية يصعب التراجع عنها.
هذه الخطوة هي بالضرورة إعلان لتقسيم البلاد.. حتى وإن لم يكن ذلك مقصودًا من قبل الذين رتبوا لها.. لكنها في الواقع تجعل البلاد عرضة للتجزئة وفقًا للنموذج الليبي الذي لا يزال العالم يعايشه.
وأكرر أنه رغم أن هذه الخطوة تعد بمثابة “حكومة ميتة” منذ لحظة إعلانها، إلا أنها تضع البلاد في سيناريوهات قد تؤدي.. إن لم تحدث اليوم.. إلى حدوثها في أي وقت في المستقبل.. مما سيؤدي إلى تقسيم البلاد إلى عدة دويلات متناحرة. وعندها، لن يستطيع أي سياسي أن يقدم العذر لمثل هذه الخطوة الخاطئة.
وبكل أسف.. الوضع الراهن في البلاد يعزز هذا التوجه، لأن غياب الحكومة الشرعية، التي تتخذ من مدينة بورتسودان عاصمة إدارية مؤقتة.. يغري بعض القوى التي تبحث عن السلطة لمحاولة منافسة الشرعية حتى ولو كان ذلك من خلال خطوات بائسة كهذه. كما يقول المثل الشعبي “المال السايب يعلم السرقة”.
لا أفهم لماذا يُصر رئيس مجلس السيادة على الحفاظ على دولة بلا حكومة.. يديرها رجل واحد من رأس هرم السلطة إلى قاعدتها، بلا مؤسسات أو دوائر مساعدة في صناعة القرار.. مما يجعل البلاد كلها رهينة لأخطاء فردية.. وإذا لم تُعالج الآن، ستكون أمام الجميع في المستقبل القريب.
من الحكمة الآن أن نستدرك هذا الوضع.. وأن نعدل المسار بتكوين هياكل الدولة التنفيذية، التشريعية، والقضائية.
يجب تعيين رئيس وزراء دون انتظار للمشاورات السياسية التي لم تُفضِ إلى نتائج حاسمة. يتولى رئيس الوزراء تشكيل الحكومة بكامل الصلاحيات.. دون الحاجة لاستخدام عبارات مثل “تصريف أعمال” أو “حكومة حرب” أو حتى “حكومة انتقالية”. يجب أن تكون حكومة كاملة الصلاحيات التنفيذية، ولا ينازعها في ذلك مجلس السيادة.
كذلك يجب تشكيل مجلس تشريعي (البرلمان) وبناء مؤسسات السلطة القضائية.. حتى تكون هناك دولة حقيقية تتعامل مع القرار القومي من منظور مؤسساتي، وينتهي بذلك سيطرة الفرد على مقاليد الدولة.
بغير ذلك، سيكون من الممكن لأي مجموعة سياسية أن تُشكّل حكومة حتى وإن كانت “ميتة” منذ ولادتها، لكن ذلك سيشوّه المشهد السوداني ويضرّ بالترتيب السياسي الذي لا يزال هشًا.
الأمر لا يحتمل التساهل.. ويجب أن يكون هناك عمل حقيقي لإصلاح الدولة السودانية. وهذا المسار يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع العمل العسكري، الذي يتكل على النصر كل يوم. لكن انتصار الجيش وحده لا يكفي لجعل السودان دولة ناجحة، إلا إذا استُكملت المؤسسات الرسمية وضُمِنت صناعة القرار الوطني عبر هذه المؤسسات.

التيار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.